أريج محمد القاسم أحمد فتاة سودانية بسيطة لم تتجاوز الــ 28 عاما، خريجة إدارة أعمال جامعة السودان مرتبة الشرف، زارتني في مكتبي يوم أمس وهي مكسورة الخاطر، مهيضة الجناح، حزينة، ومحبطة.
أريج تعاني من مشكلة وراثية تتعلق بفقدان البصر التدريجي حكت لي بألم وحرقة قائلة: يا أستاذة أنا هسه بشوف كويس، ووصلت إلى غاية مكتبك ده براي.. لكن قدر الضوء الفي عيوني ده بعد سنوات ح أفقده.. عشان مرضي ده بيظهر أكثر مع التقدم في العمر واستهلاك النظر وحلول الظلام.. يعني ح تجيء فترة ح أفقد فيها نظري.
أريج قدمت للالتحاق بوظيفة معلنة من جانب وزارة النفط عبر لجنة الاختيار للخدمة العامة الوظيفة لصالح شركة النيل للبترول والغاز.
أريج اجتازت الامتحان الأكاديمي التحريري، وكذلك اجتازت المعاينة وسط آلاف المتقدمين لشغل الوظيفة، وذلك بسبب إمكانياتها، وفهمها العميق لمتطلبات الوظيفة.. ظهر اسمها على الــ website الخاص بلجنة الاختيار بأنك اجتزت كل المراحل، وحصلتي على الوظيفة.
ما حدث أن شركة النيل قامت بتعيين عشرات المتقدمين الذين اجتازوا المعاينات في وظائف أعلن عنها في نفس التوقيت فيما أصبحت وظيفة أريج شاغرة منذ السادس عشر من ديسمبر 2016، وأريج تنتظر وتنتظر والشركة تبرر عدم السماح لها بممارسة الوظيفة؛ بسبب أن حالتها تطلب وضعا مكتبيا معينا للقيام بمهامها.
ولو علمتم أن ذلك الوضع المكتبي المعني الذي تحتاجه هو- فقط- المزيد من الإضاءة في المكتب، وتفعيل برنامج بالكمبيوتر يساعدها على أداء وظيفتها فماذا تقولون؟.
السيد وزير النفط، والسيد المدير العام لشركة النيل للبترول قولوا لي بالله عليكم أي ذنب ارتكبت هذه الفتاة حتى يكسر خاطرها، ويهمل ملفها، ولا تحرك فيكم ذرة إحساس تجاه مشكلتها؟.. قضية أريج ليست قضية شخصية، إنما هي قضية التعامل بأزدواجية مع فئة المعاقين.
أريج حتى إن كانت معاقة كليا فهي من فئة لهم الحق في 2% من جملة الوظائف المطروحة عبر لجنة الاختيار، وبالقانون، أريج لم تتسولكم، ولم تطلب حقا ليس لها، بل انتزعت مقومات الوظيفة بالمثابرة، والاجتهاد، واجتياز كل مراحل التعيين، وتفوقت على أكثر من خمسة عشر ألف متقدم للوظيفة.
الآن أريج تواجه التجاهل التام من قبل إدارة الموارد البشرية، وسكرتارية المدير التي لم تسمح لها حتى بمقابلة المدير.
ترى ما الذي يضير شركة النيل للبترول لو قامت بإضافة لمبة إضاءة في مكتب أريج، أو عززت من الوسائل السمعية، أو البصرية في المكتب.. أو فعلت بعض برامج الحاسوب المحنطة.. السيد مدير شركة النيل هل تعيين أريج، أو أي من المعاقين في وظيفة في شركتكم العملاقة سيؤدي إلى إفلاسها.
أريج غادرت مكتبي عقب صلاة المغرب فقمت ومعي صديقي مهند باستئجار سيارة أمجاد؛ لتوصيلها إلى منزلها في منطقة أبو آدم، سائق الأمجاد طلب في البدء مئة جنيه نظير المشوار لكنه اكتفى بخمسين جنيها حين علم أنها تعاني من عمى جزئي.
خارج السور
ألا يوجد عند وزير النفط، أو مدير شركة النيل للبترول شيء من هذا اليقين والإحساس بمعاناة الآخرين الذي يمتلكه سائق الأمجاد.
سهير عبدالرحيم
التيار