حظر السودان واردات مصرية.. سياسة أم أمن غذائي؟

يرى مراقبون أن حظر استيراد الصادرات المصرية من شأنه أن يؤثر بشكل حاد على الاقتصاد المصري، بينما يرى آخرون أن هذا الحظر السوداني يأتي في إطار الضغط على مصر لحل الخلاف القائم على منطقتي حلايب وشلاتين.

بينما اعتبر خبراء حظر السودان استيراد السلع الزراعية ومستحضراتها المصنعة والأسماك المعلبة من مصر “قرارا متوقعا” في ظل تدهور القطاع الزراعي المصري، رأى آخرون دوافعه سياسية لا علاقة لها بحال تلك المنتجات، وشددت الحكومة المصرية على نفي ما أعلنه السودان كمبرر لذلك الحظر.

وكانت الوكالة السودانية الرسمية نقلت منذ أيام عن وزارة التجارة السودانية حظرها استيراد السلع الزراعية ومستحضراتها المصنعة والأسماك المعلبة من مصر، وألحقت ذلك بحظر سابق لاستيراد الخضروات والفواكه، وبررت ذلك بورود شكاوى ومعلومات بأن الخضار والفواكه الملوثة أصبحت تأتي مُصنعة بأشكال المعلبات والكاتشب والصلصة بعد منع استيراد الطازج منها.

وأثار القرار حفيظة سياسيين ووسائل إعلام مصرية، حيث هاجمته صحف وفضائيات مصرية، بينما أرجعه وكيل لجنة الزراعة في البرلمان المصري النائب رائف تمراز -في تصريحات إعلامية- إلى تحفظ الخرطوم على إرسال مصر مساعدات غذائية إلى جنوب السودان بعد أن ضربتها المجاعة.

وقللت وزارة الزراعة المصرية من تأثير القرار السوداني بتأكيدها زيادة الصادرات الزراعية لمختلف دول العالم منذ بداية 2017 من 1% إلى 3%، نافية من خلال متحدثها الرسمي حامد عبد الدايم ري المحاصيل الزراعية المصرية بمياه الصرف الصحي، كما ذكرت ذلك الحكومة السودانية.

ليس الأول
وفي هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام إلى أن قرار السودان لم يكن الأول من نوعه، حيث سبقته دول عربية وأجنبية منها السعودية والكويت والأردن، كما انضمت إلى القائمة الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى.

ويرى عبد السلام في حديثه للجزيرة نت أن هذه الدول حظرت استيراد المنتجات الزراعية المصرية بسبب تلوثها وريها بمياه الصرف الصحي أو رشها بمبيدات مسببة للسرطان، لافتا إلى أنه رغم إثارة الأمر لضجة عالمية أضرت بالصادرات المصرية من حيث السمعة والأسواق والحجم، فإن السلطات المصرية لم تعلن خطة للتعامل بجدية مع الأزمة.

ويذهب الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الأزمة من شأنها أن تصيب الصادرات المصرية في مقتل، وهو ما يؤثر بشكل حاد على الاقتصاد المصري، خاصة مع ما هو معلوم من أن التصدير يعد المصدر الأول للنقد الأجنبي، ويسبق السياحة وتحويلات العاملين بالخارج.

من جهته يرى الإعلامي المتخصص في الشأن الزراعي بمصر جلال جادو أن تزايد الدول التي حظرت الواردات المصرية من المنتجات الزراعية يمثل كارثة على الزراعة التي تساهم بأكثر من 14% من الدخل القومي للبلاد.

ويؤكد جادو في حديث للجزيرة نت أن مخالفات المنتجات الزراعية المصرية لكل المعايير الصحية، وعدم قدرة مصر على استعادة الريادة الزراعية والعودة إلى سابق عهدها، هو سبب لجوء السودان إلى هذا الإجراء، ذاهبا إلى أبعد من ذلك بوجود مؤشرات ودلائل تثبت تورط أطراف بالسلطة في السعي لتدمير الزراعة لصالح كبار المستوردين.

الدلالة الأسوأ!
ورأى أن الدلالة الأسوأ لهذه الأزمة هي أن “المصريين يأكلون ما هو أسوأ من المُصَدَّر”، ذاهبا إلى أن غياب حكومة منتخبة وسعي المؤسسة العسكرية للسيطرة على القطاع الزراعي هما أهم أسباب هذه الكارثة.

لكن الباحث بمركز البحوث الزراعية في مصر رمضان محمد يرى أن أغلب دوافع الدول التي حظرت المنتجات المصرية مؤخرا “سياسية” بالدرجة الأولى، لافتا إلى أن رفض شحنات مصرية أمر ليس بالجديد، لكنه لم يكن يحظى بتسليط الضوء عليه سابقا.

ويذهب محمد في حديثه للجزيرة نت إلى أن انضمام السودان إلى هذه الدول، ربما يأتي في إطار الضغط على مصر في الخلاف القائم على منطقتي حلايب وشلاتين، مؤكدا أن السودان بحاجة لاستيراد أي منتجات بغض النظر عن الجودة.

ويشير في هذ السياق إلى أن رفض روسيا استيراد البطاطا كان “ردا بالمثل”، مدللا على ذلك بعودة استيرادها بمجرد موافقة مصر على استيراد قمحها المصاب بالأرجوت، متوقعا عودة السعودية إلى استيراد بعض المنتجات التي رفضتها مؤخرا بعد تحسن علاقاتها بمصر.

وأضاف محمد أن غالبية الدول التي تستورد منتجات زراعية مصرية لها مراقبون تابعون لها في مصر يحللون التربة والمياه وعينات من المنتجات قبل التصدير.

عبد الرحمن محمد-القاهرة
المصدر : الجزيرة

Exit mobile version