هل سمع أحدكم بعلامة “هيد ميدرست”، المصنِعة لأجهزة الراديو؟ لا بأس فهذا المذياع الذي أنتجته شركة بريطانية، واحد من مئات القطع التاريخية التي يجمعها “هاوي” سوداني، لتعريف أبناء هذا البلد، بالطريقة التي عاش بها آبائهم، خلال المائة عاما المنصرمة.
في بلد يتفق باحثوه على أن تاريخه، حتى الحديث منه، يفتقر نسبيا للتدوين، فإن منزل “عم إسماعيل”، يبقى شاهداً على القرن العشرين، وتقنيته التي حملها المستعمر الإنجليزي إلى السودان.
فالرجل الذي يخطو لإكمال عقده السادس، يهوى منذ صباه، جمع المقتنيات القديمة، من القطع النقدية إلى أجهزة الراديو التي يرتبها بانتظام، في منزله بضاحية “أمدرمان”، غربي الخرطوم.
بدأت مسيرة “إسماعيل عبد الله” التوثيقية في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما كان في العشرين من العمر، بجمع الصور القديمة، قبل أن تتمدد اهتماماته تدريجيا لكل ما هو قديم.
واليوم يعتبر منزل “عبد الله” بمثابة متحف، لكن عوضاً عن زيارة الجمهور له، يحرص على نقله إلى أماكن التجمعات العامة، مثل مهرجان الزهور، المقام هذه الأيام بالحديقة النباتية في الخرطوم، حيث التقاه مراسل الأناضول.
من بين مقتنياته المعروضة للجمهور مجانا، توجد أجهزة راديو وفونوغراف وكاميرات تصوير، يزيد عمرها، أو يقل، عن مائة عام.
وقال “عبد الله” للأناضول بينما كان يتفحص مذياعا قديما صنعته شركة “هيد ميدرست” البريطانية: “لو بحثت على شبكة الانترنت لن تجد أثرا لهذه الشركة اليوم”.
وكأنه يخفي سرا عظيما، أخرج الرجل من مكان خفي، ساعة مصنوعة من النحاس، قبل أن يشرح “هذه صنعت في بريطانيا العظمى(…) إنها أثرية بحق”.
وما يشد أنظار الجمهور، إسطوانات وأجهزة الريل، تلك التقنية التماثلية التي كانت تستخدم في البث الإذاعي قبل ما يقارب الـ 80 عاما.
ويعود تأسيس إذاعة أمدرمان، أول محطة بث سوادنية، إلى العام 1940، حيث استخدمت حينها تقنية الريل التي وصلتها كهدية من ألمانيا.
ويضم معرض “عم إسماعيل”، كما يناديه زواره، أجهزة وإسطوانات الفونوغراف التي دخلت البلاد في العقد الثاني من القرن الماضي، واقتصر استخدامها على الميسورين من أهل البلد.
والفونوغراف هو أول جهاز لتسجيل الصوت، اخترعه الأمريكي، توماس إيديسون، في 1877.
ويمتلك الرجل أيضا معدات عرض سينمائي خرجت من الخدمة قبل عشرات السنين، لكنه يتباهى أكثر، بامتلاكه “تسجيلا نادرا لمؤتمر باندونغ”، وهو مؤتمر مثّل نقطة فاصلة لنيل البلاد، استقلالها في 1956.
وثمة قسم في المتحف، يجذب النسوة بشكل خاص، كونه مخصص لأواني منزلية كانت تستخدم قبل عشرات السنين، ولا وجود لها حاليا في الأسواق.
ومن معروضات هذا القسم، أوانٍ مصنوعة من الفخار والنحاس، بجانب أخرى يطلق عليها شعبيا “الطلس”، وهي عبارة عن أواني مصنوعة من الحديد، كانت تستورد قبل 80 عاما من الصين وتركيا.
وتمتاز هذه الأواني التي عادة ما تكون مطلية بالأبيض، مع زخرفات ملونة، بحفظ سخونة أو برودة الطعام، وكانت مسيطرة على الأسواق، قبل أن تتراجع لصالح تلك المصنعة من الألمونيوم والإستيل.
ولجمع مقتنياته، يرتداد الرجل، أسواق الخردة التي تباع فيها القطع القديمة وحتى المتهالكة، ودافعه إلى ذلك أن “تعرف الأجيال القادمة تاريخها”.
ويعتمد مشروع الرجل على تمويل ذاتي، ولم يحظ قط بدعم حكومي، إلا مرة واحدة من مسؤول محلي، زار أحد معارضه التي توثق لاستقلال البلاد.
وبينما كان منشغلا بشرح تفاصيل مقتنياته لبعض زواره، أكد “عم إسماعيل” بنبرة تحد أن “العزيمة وليس المال هي العنصر الحاسم لحفظ هذا التاريخ الذي تزداد أهميته مع تقادم السنين”.
الخرطوم / عادل عبد الرحيم / الأناضول