دعم القاهرة لجوبا .. اياك اعني فاسمعي ياجارة

مقدمة:
معلوم أن العلاقات الخارجية للدول تبنى وفقاً للمصالح الإستراتيجية التي تخدم كل دولتين ، مع التأكيد على عدم الإضرار بأي من الدول الأخرى المجاورة وفق ما يقتضية القانون الدولي بعدم التأثير على الأمن القومي ، وعطفاً على التباين في العلاقات بين الدول في الإقليم المحيط بالسودان أعد المركز السوداني للخدمات الصحفية سلسلة من التقارير في قراءة لما بين السطور حول مالآت الدعم المصري لجنوب السودان وتأثيراته السياسية والأمنية والعسكرية على السودان ، مع استصحاب اراء الخبراء والمختصين لرسم السيناريوهات المختلفة.

من المعلوم ان العلاقات بين السودان وجنوب السودان تشوبها الكثير من المشاكل خاصة وأن هنالك تسع إتفاقيات غير منفذه بين الجانبين ,على رأسها اتفاقية الحدود التي تعتبر الرباط بين الدولتين ، فعدم تنفيذها يقود الدولتين الى الدخول في حاله دائمة من الصراع ، فضلاً عن تواجد الحركات المسلحة المتمردة ( حركات دارفور وقطاع الشمال ) في جنوب السودان والتي تتخذ منه منصة للإنطلاق والحرب ضد السودان ؛ وفي ظل هذه المعطيات يساهم أي دعم عسكري لمصر في جنوب السودان في تأجيج الحرب في جنوب السودان ، وربما يدفع بها ان تصبح حرباً إقليمية اذا ما وضع في الإعتبار العلاقات بين جنوب السودان وجيرانه مثل أثيوبيا والسودان وغيرها من الدول.

يوضح الباحث في العلاقات الدولية د. محمد خير السيد أن مصر بدأت في لعب دور متكامل في جنوب السودان في محاولة لإيجاد موطئ قدم لها في ظل المتغيرات الإقليمية التي طرأت في الأونة الأخيرة ، فقد بادر فريق من الإستخبارات العسكرية المصرية خلال الفترة الماضية لإقامة دورة لضباط الصف والجنود على عمليات الإستطلاع والإشارة في كل من جوبا واو وبانتيو وملكال ، كما أن الإستخبارات المصرية قدمت معلومات للإجهزة الأمنية في جنوب السودان حول الوجود الصومالي وعلاقات الصوماليين بحركة الشباب المجاهدين وابدت استعدادها لمساعدة الأجهزة الأمنية في جنوب السودان على رصد الوجود الصومالي وعلاقاته مع حركة الشباب المجاهدين واضاف السيد أن الوجود المصري في جنوب السودان من شأنه أن يتسبب في احداث القلق الدائم لدي قيادات ومواطني السودان ، لجهة أن جنوب السودان لم تزل تشكل خطراً على الأمن القومي السوداني من خلال دعمها وإيوائها لحركات التمرد سواء قطاع الشمال اوحركات دارفور ، مضيفاً أن جوبا لا تعتقد ان تعتبر هذه الحركات يمكن أن تصبح بديل لنظام الحكم في السودان وبالتالي تستفيد من الدعم الذي قدم اليها من مصر ومن اي من الدول المجاورة لمساعدة حركات التمرد ، وقال انه لم يكن خافياً على احد استيعاب المخابرات المصرية لأكثر من ثلاثين ضابط من مخابرات الجنوب في دورات مختلفة حول مكافحة التجسس وعمل المنظمات والبعثات الدبلوماسية ومكافحة الإرهاب ، مشيراً الى أنه من غير المستغرب أن تشمل هذه الدورات عناصر من قطاع الشمال او حركات دارفور لجهة أن جوبا تسعي لتأهيلهم كما تسعي لتأهيل قواتها على حد سواء.

وثمة مؤشرات مريبة برزت من عدد من الدول إزاء التحرك المصري في المحيط الإقليمي ، فما بين وجود مصر على خط الأزمة الليبية وبين ظهورها في جنوب السودان بدرت كثير من الهواجس الدولية حول ما تخفيه مصر من خلال هذا الدعم بغض النظر عن شكله ومقوماته.

ويوضح د. يحي محمد عثمان استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أن من حق السودان أن يقلق من الدعم المصري للجنوب لان جنوب السودان يعتبر العمق الإستراتيجي للسودان لذلك فان اي اضطرابات فيه تؤثر على السودان ومن جانب اخر فان النظام المصري لديه معنا كثير من الخلافات حول حلايب وشلاتين وغيرها وهو جزء من تدويل بعض الملفات السودانية في المحافل الدولية ، واضاف يحي أن عدم الاستقرار في جنوب السودان يسبب عدم استقرار للسودان؛وهذا في مصلحة النظام المصري الذي يري أن ديمومة الأزمة في جنوب السودان ترهق السودان اقتصادياً وامنياً.

وقال أن عدم الإستقرار في الجنوب يؤثر على مسارات الحوار بين السودان والولايات المتحدة لان استقرار الجنوب كان احد الملفات وبالتاكيد ديمومة الأزمة فيها من شأنها ان تشكل ازمة كبيره للسودان وتؤثر بدورها على قرار رفع العقويات كما يمكن أن تضعف من موقف السودان اقليمياً ودولياً.

واضاف يحي أن المشكلة الأخري ان القاهرة اصبحت تحارب السودان إعلامياً وترسل اتهامات مبطنة وتلفيق اعلامي ممنهج لتشويه سمعة السودان كدولة وكنظام حكم، مشيراً أن دعم النظام المصري للجنوب لابد ان ينظر اليه بعين الريبة وليست عين البراءة ، لاننا نتعامل مع النظام المصري الذي يعتبر ان نظام الحكم في السودان وفقاً لذهنية الإدارة المصرية التي تحاول خلق نوع من البلبلة على المستوي الشعبي والرسمي بسبب موقف السودان من سد النهضة.

من خلال تتبع الساحة السياسية يتضح أن الحديث عن دعم مصر لجنوب السودان لم يكن من قبيل المصادفة ، فبجانب الإتهامات التي جاءت تترى من المعارضة الجنوبية التي اوضحت في أكثر من مرة قيام مصر بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لجيش جنوب السودان وامدادهم بطائرة عسكرية وقصف مواقع للمعارضة الجنوبية بالطيران المصري .

ومن الواضح ان مصر اصبحت لديها رغبة قوية في ايجاد موضع قدم في احدي دول مصب نهر النيل وهي جنوب السودان وعدم افساح المجال لدولتي اثيوبيا واوغندا للتحكم في مآلات الأمور فيها ، الأمر الذي يدفع بمصر لإيجاد رؤية مستقلة في جنوب السودان املاً في تأثير تلك الرؤية على الملفات التي تشكل هاجساً لمصر وفي مقدمتها ملف المياه بعد ادراكها ان جنوب السودان ظلت الأقرب سياسياً في مواقفها لدول حوض النيل بمعزل عن مصر، ويتضح ذلك من خلال المشروعات التي اطلقتها مصر في العام 2014م فيما يختص باستغلال الفوائد المائية في مناطق المستنقعات وبحر الغزال من خلال تفعيل مشروع المنحة المصرية لازالة الحشائش العالقة واحياء مشروع جونقلي. بجانب توقيع عدد من الإتفاقيات بين الجانبين على رأسها توقيع اتفاق الإدارة المشتركة لمياه النيل بين البلدين وتنص الإتفاقية على إنشاء جبهة مشتركة بين الجانبين تتولى مسئولية ادارة مياه النيل وتقضى بارسال بعثة ري مصرية الى جنوب السودان لتحديد مستويات مياه النيل في جنوب السودان.
يوضح السفير الرشيد ابو شامة ان اي دعم تقدمه القاهرة الى جوبا يؤثر بطبيعة الحال على السودان خاصة اذا ما اخذنا في الإعتبار المشاكل والقضايا العالقة بيننا وجنوب السودان فيما يختص بقضايا الحدود وابيي ووجود الحركات المسلحة في الجنوب واضاف ان الحرب مع الجنوب لا زالت محتملة نظراً للإختراقات التي تقوم بها جوبا من حين الى أخر ، ولا ننسي ان جنوب السودان سبق أن شن حرباً في منطقة هجليج لذلك على مصر أن تعي أن اي دعم تقدمه لجنوب السودان يمثل خطراً على السودان ويؤثر على الأمن القومي للبلاد ، مشيراً الى أن الجانب المصري يدعم الجنوب في قصد واضح لتشكيل الخطر على السودان فهي تقصد بذلك تقوية العدو المحتمل للسودان لمعرفتها بالقضايا العالقة بين السودان والجنوب والتى ربما يكون احدي خيارات حلها الحرب خاصة فيما يختص بالحدود .
واضاف ابو شامة على مصر أن ترفع يدها فوراً عن دعم جنوب السودان وعليها أن تعي أن اي دعم لابد أن يكون الا عن طريق الإتفاق مع السودان حتى اذا كان ذلك في اطار المساعدات ، واضاف أن مصر تريد أن تجبر السودان على الوقوف مها في قضية سد النهضة والا فأنها ستعمل على ما يضر السودان لذلك فأن استراتيجيتها تجاه الجنوب اصبحت واضحة جدا فالقاهرة الآن مثلها مثل المنظمات الاجنبية التي تقدم الدعم لقطاع الشمال.
ظلت العلاقات بين السودان ومصر رغم ازليتها وتاريخيتها متابينة بتابين انظمة الحكم في الدولتين، كما أن ظهور بعض القضايا الخلافية بين الخرطوم والقاهرة من حين الي اخر يلقي بظلاله على شكل العلاقات التي اضحت تتسم بالتدحرج ، ورغم التحركات المصرية المضادة ظل السودان مرتقياً في العلاقات مع مصر على الرغم من ضجيج قادة الرأي العام المصري الذين يتخذون من الإعلام سبيلاً لبث الروح العدائية تجاه السودان.
ومن خلال متابعة مجريات الساحة يتضح أن النظام المصري بقصد او بغير قصد اقحم نفسه في الحرب الدائرة داخل جنوب السودان ويتبين ذلك من خلال ما أكدته المعلومات من دعم الجيش بالعتاد والسلاح ، الأمر الذي يشير الى احتمالية أن يساهم الوجود المصري في نقل الحرب وإخراجها عن النطاق الداخلي الى النطاق الإقليمي ، خاصة اذا ما اخذ في الإعتبار غياب مصر دون غيرها من الدول عن الجهود الإقليمية والدولية الساعية لاحتواء الصراع في جنوب السودان.

تقرير: رانيا الأمين
(smc)

Exit mobile version