نشرت وسائل إعلام سودانية متعددة أخبارا عن اجتماعات جديدة ، لها صفة الاستعجال ، بين مسئولين في وزارات الخارجية والعدل والداخلية ولجنة ترسيم الحدود ، بغرض النظر في تحقيق سيادة السودان على منطقة حلايب والشلاتين ، المتنازع عليها مع مصر ، وأن هناك توجها لإخراج من يوجد من المواطنين المصريين من المنطقة ، حسب ما نشر ، وهو تصعيد جديد للأزمة غير مسبوق .
تأتي تلك التصريحات في أعقاب موجة من “التسافل” الإعلامي في بعض وسائل الإعلام المصرية التي تقدم نفسها كموالية للنظام والسلطة ، تجاه السودان وشعبه وتاريخه ، وذلك بعد زيارة قامت بها الشيخة موزة المسند ، والدة أمير قطر الشيخ تميم ، في إطار جهود الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ، وهو حدث عادي ، يمكن أن يمر دون أن يسمع به أحد في مصر ، ولا يحمل أي قدر من الخطورة أو الاستثنائية ، هو أقرب إلى نشاطات العمل الأهلي ، كما أنه لا يؤذينا في شيء ، ولا يضر مصر في شيء ، غير أن “البعض” هنا من “الدببة” الإعلاميين ، أرادوا أن يتزلفوا إلى النظام ففتحوا على البلاد معركة جديد هو في غنى عنها ، في ظل تلك الظروف الحالكة التي تمر بها البلد ، سياسة واقتصادا وأمنا ، فشن “الدببة” الإعلاميين حملة شتائم ضد الضيفة القطرية ، وضد السودان نفسه ، مع التحقير من تاريخه وإهانة أهلنا في السودان ، مما أحدث ردة فعل عنيفة للغاية في أوساط سودانية مختلفة ، وتحدث وزير الإعلام مهاجما مصر وإعلامها وحتى آثارها ، ووصف آثار بلاده بأنها أقدم وأعرق من الآثار المصرية ، وأهم من ذلك وأخطر ، هو إعلان السودان عن تحريك ملف حلايب وشلاتين ، مع تصعيد خطير ، خاصة إذا أقدم الأشقاء هناك على إبعاد الوجود المصري فيها ، بما يعني أن صداما من نوع ما يمكن أن يحدث ، وتتطور معه الأمور إلى ما لا يحمد عقباه .
نحن في مصر الآن ، لا نملك ترف “جر الشكل” السياسي مع الجيران ، فما يتهددنا عمليا وحاليا يكفي وزيادة ، فالخطر يتهددنا من الشرق والغرب ، ونزيف أبنائنا الضباط والجنود وحتى المواطنين مستمر على مدار اليوم بل الساعة ، من أرواحهم ومقدراتهم ، كما أن همومنا الاقتصادية الثقيلة ، والتي حاول رئيس الجمهورية تلخيصها للمواطنين في صيغة : احنا فقرا قوي قوي ، لا تسمح لنا بفتح مواجهات مجانية مع الجيران بدون أي مبرر منطقي أو حالة اضطرار مثلا ، والإعلامي الذي يحاول توريط مصر في مثل هذه التحديات الآن ، لكي يقبض هو ملايين الجنيهات مقابل هرائه وبذاءاته ، هو عنصر تخريب حقيقي في الوطن ، وينبغي أن يكون هناك عقلاء في الدولة يأخذون على يديه ويعرفونه حدود المصالح العليا للوطن ، والمصالح الخاصة أو الارتزاق بالنفاق السياسي .
الخارجية المصرية تتحدث بتحفظ شديد في هذا الملف ، لأنها تعلم حساسيته الشديدة وخطورة فتحه الآن ، كما أن المسئولين الرسميين في القطاعات والوزارات المختلفة لا يتورطون في مثل هذا الهراء الرخيص ، غير أن الأشقاء في السودان يتابعون الإعلام جيدا ، ويعتبرون أن الإعلام في مصر موجه من قبل جهات رسمية ، وأن ما يقوله فلان أو علان على الفضائيات الموالية هو بتوجيه من قيادات رفيعة في الدولة ، لأنهم يعرفون أن هذه الوجوه الإعلامية أقرب إلى “ميكروفونات” لا تملك الصوت الحقيقي والرأي الأصيل ، ومن هنا تأتي الخطورة .
الكاتب المصري
جمال سلطان
المصريون