حديث المدينة الاثنين 20 مارس 2017
لا يدهشني مُطلقاً المنحدر الذي تتخبّط فيه العلاقات الثنائية السودانية المصرية.. فقد ظللت أكتب لأكثر من عشرين عاماً أقول إنها مُجرّد قُصور رمال في مجرى سيلٍ جارفٍ.. علاقات إما (عاطفية) مدهونة بزبدة الحديث عن التاريخ المشترك، أو (مخابراتية) مُفرطة في التوجس والريب والشك والاحتراس المُتبادل.
ولهذا، لا تكاد تمر نسمة عابرة حتى تهتز وتتزلزل العلاقات كأني بها مسكونة بالأشباح.. بالأمس القريب زيارة استثنائية من الشيخة موزا وفّرت للإعلام المصري –الباحث بنهمٍ عن معركة – قُوت شهر من التلاسن اجتذب النصاب المطلوب من رد الفعل العفوي الجماهيري السُّوداني.. لتكون حصيلة التشاتم حالة إحباط ونزيفاً مريراً على جانبي الوادي.
العلاقات السودانية المصرية لن ينصلح حالها مهما تعانق الرؤساء والوزراء والسفراء.. ومهما صدرت البيانات المُتزلفة، ومهما حاولت الحكومتان السَّيطرة على الإعلام المُضاد.. لأنّها من الأصل علاقات (سلطوية) تعلو وتنخفض على قدر تبسم الأقدار السِّياسيَّة بين البلديْن.. وتفتقر للنظرة الاستراتيجية الحصيفة.. بصيرة المصالح لا الكوابح المُتبادلة.
للخُرُوج من نفق هذه الأكذوبة المُزمنة أقترح، تأسيس (حوار الوادي) الذي يرسم ملامح رابطة اقتصادية تبدأ ثلاثية (أثيوبيا – السودان – مصر) وتنفتح لتشمل أريتريا وتشاد وجنوب السودان وربما ليبيا مُستقبلاً.
حوار مصالح اقتصادية مُجرّدة من سوسة السياسة.. يتولاه خُبراء مُختصون من البلاد الثلاثة.. بمبدأ كم نكسب إذا صنعنا أجندة اقتصادية مُشتركة.
وبالطبع؛ ستقوم أركان الخُطة الاستراتيجية على أربعة أرجل هي: الماء والأرض والطاقة والأمن.
خُطة تجيب على السؤال؛ ما هو الاستغلال الأمثل لثلاثية الماء والأرض والطاقة لتمنح أعلى درجات (الأمن).. ليس (الأمن السِّياسي) بمفهومه الضَيِّق، بل (الأمن) الذي يوفر السكينة والاستقرار على المُستوى القومي لكل بلد، والمُستوى الفردي لكل مُواطن في البلاد الثلاثة.
عدد سُكّان الأقطار الثلاثة يقترب من ربع مليار نسمة.. (حوالي 250 مليوناً) هم طاقة ديناميكية جَبّارة تملأ الحيِّز من أرفع الخبرات النادرة نزولاً إلى أدنى العَمَالة اليدوية العَادية.
وميزة هذا التحالف الاقتصادي الثلاثي أنّه سيصبح عظم الظهر (Back Bone) لتحالف أوسع يشمل الدول التي ذكرتها في بداية هذا العَمود.. والتي تُشكِّل في مجموعها منظومة أفريقية مُتمدِّدة في أفضل موقع جيوبوليتيكي.
ويستطيع هذا التحالف الاقتصادي أن يصبح شريك تعاون دولي مع الاقتصاديات العالمية العملاقة.. مثل الصين والهند وتركيا وماليزيا والخليج العربي في آسيا.. والبرازيل في أمريكا الجنوبية.. وبالطبع المنظومة الغربية في أوروبا وأمريكا الشمالية.. تماماً كالشراكات العالمية العابرة للبحار مثل شراكة الصين – أفريقيا، والهند – أفريقيا، وروسيا – أفريقيا وغيرها.
يجدر أن لا نضيِّع الوقت هَدَراً في عبثية التراشق الإعلامي السطحي.. فالشعوب الكبيرة لا تغرق في شبر ماء التغابن، ولا يعمي بصيرتها غُبار الكراهية الذي يُثيره الإعلام غير المسؤول.. والسُّودان ومصر خلقهما الله مُتجاوريْن ولا سبيل لتبديل خلق الله إلى يوم القيامة..
انظروا للمُستقبل ببصائر العُقُول، لا غبائن القُلُوب.
عثمان ميرغني
صحيفة التيار