السلوك الذي أقدم عليه بعض عديمي الضمير، بنهب مجموعة من رجال الأعمال السعوديين، تحت تهديد السلاح، في واحدة من رحلات الصيد البري، يرقى لان يُوصف بأنه سلوك خسيس، وفعل جبان، فالجريمة التي اقترفوها لم تكن في حق رجال الأعمال السعوديين، بل كانت ضد الوطن وأمنه وسمعته..!
نعم، فليس من وصفٍ يليق بما حدث سوى أنه جريمة موجهة ضد السودان.. السودان وليس غيره..! ببساطة لأن مثل تلك الجرائم تسلب السودان والسودانيين واحدة من مخصوصاتهم، التي سلمت من عبث السياسيين وألاعيبهم الصغيرة، وهي احترام الضيف وحماية الغريب، وعدم سلبه ونهبه..!
والقصة التي أوردتها صحيفة “عين اليوم” الإلكترونية السعودية أمس الجمعة، تقول إن عدداً من رجال الأعمال السعوديين تعرضوا للسرقة تحت تهديد السلاح، في واحدة من مناطق السودان بعدما جاءوها لممارسة هواية الصيد والقنص البري، إذ اعترضتهم عصابة مجهولة، نهبت منهم عدداً من بنادق “الخرطوش”، وبعض المسدسات، بجانب (12) هاتفاً محمولاً. بالإضافة إلى مليون ريال سعودي. وهي الرواية التي أكدها السفير السعودي بالخرطوم على جعفر، ما يعني أنها ليست محل تشكيك..!
وظني أن تلك الجريمة ستقود تلقائياً إلى رسم صورة شائهة عن السودان، نحن والوطن في غنىً عنها، ذلك أن بلادنا ليست في حاجة إلى تشويه، لأنها مُثخنة بالجراحات التي نكأتها تصرفات الحركات المسلحة ومن قبلها المؤتمر الوطني الذي ضرب تماسك المجتمع وقيمه في مقتل، حتى أوشك الناس أن يتخلوا – تحت طائلة الفقر والجوع والمسغبة – عن بعض شيم السودانين. ولذلك فإن الأجهزة الأمنية ستظل عندنا – وبالطبع عند كثيرين – في موضع الاتهام بالتقصير، إن هي لم تتمكن من الإتيان بالمجرمين الذين ارتكبوا تلك الشائنة والجريمة، مصفّدين بسلاسل الإدانة والتوبيخ. وستظل – أي الأجهزة الأمنية- في دائرة الاشتراك بتلطيخ سمعة البلاد إن لم تسرج خيلها وخيلاءها، لفك طلاسم تلك الجريمة الشاذة، وإن لم تنهِ المغامرة التي أقدم عليها الجناة في ظرف يوم أو يومين على الأكثر، حتى لا نصحو على وطن يعافه هواةُ الصيد، بسبب انعدام الأمن المجتمعي، ولا يغشاه الباحثون عن المصائد في الفيافي، بحجة تصاعد موجة النهب المسلح..!
صحيح أن الخبر لم يحدِّد الجهة التي حدثت فيها جريمة السلب والنهب، ولكن من المؤكد أن المنهوبين قد أبلغوا الشرطة في دائرة الاختصاص بالجريمة النكراء، وهذا يكفي لتتبع واقتفاء آثار الجناة والقبض عليهم، مهما كانت تحصيناتهم، لأن الجريمة تمس سمعة السودان وتخصم من رصيده في السياحة، وهنا يكمُن الأذى الكبير..!
المؤسف في القصة كلها، أن هذه الجريمة تأتي امتداداً لجرائم شاذة وغريبة انتظمت البلاد مؤخراً، مثل نهب الصيدليات تحت تهديد السلاح، ومثل خطف مقتنيات الفتيات في رابعة النهار..! وعليه لابد من قرع جرس الخطر، حتى لا تتمدَّد الكارثة ونفقد نعمة الأمان في ما تبقى من الوطن، بعدما قضت سياسات الحزب الحاكم وأطماع التشكيلات العسكرية على الاستقرار الذي عُرف به على مر الأزمنة..!
ولكن، وبمثلما يتوجّب على الأجهزة الأمنية العمل على فك طلاسم تلك الجرائم، فإن المسؤولية تمتد لتصل لكل المواطنين، فالوطن ليس ملكاً لحزب أو تشكيل سياسي بعينه. بل هو ملك لنا جميعاً، على الرغم من احتكار المؤتمر الوطني لصكوك الوطنية لنفسه ومناصريه، ولذلك فإن الحفاظ على البلد ينبغي أن يكون مسؤوليتنا جميعاً، حتى في ظل التقصير الكبير لغالبية قادة الحزب الحاكم الذين انصرفوا عن توفير الأمن للناس، إلى تأمين حياتهم ومستقبل أبنائهم وأقاربهم وأصهارهم بالحق وبغيره، وبمالهم وبمال الناس العام..!
الصيحة