تعدُّ مملكة بوتان، المعروفة بـ«بلاد التنين والرعد»، من أكثر الدول سريةً على وجه الأرض، وقد عرفت هذه الدولة – التي يقطنها 750 ألف مواطن – بسياساتها المبتكرة، والمتعلقة بالسعادة المحلية الإجمالية، على غرار الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشتهر بأنها أرض يسود فيها الفرح، ويمنع دخول الحزن إليها، وذلك بسبب سياستها الحكومية، التي تعتمد على قياس مكونات السعادة القومية، من خلال مستوى الصحة، والتعليم، وحيوية المجتمع، وحماية الأرض والمحميات الطبيعية، وأيضاً من خلال فلسفتها الشعبية القائمة على التفكير في الموت .
فكر في الموت تسعد..
فشعب البوتان بحسب تقرير لجريدة الامارات اليوم ، الذي يعدُّ من أسعد الشعوب على وجه الأرض، دائم التفكير في موضوع الموت، حيث يفكر جميع أفراد المجتمع خمس دقائق على الأقل يومياً في الموت، ويعتقدون أن الخوف من الموت قبل تحقيق الأحلام المنشودة، أو رؤية الأبناء يكبرون يوماً بعد يوم، هو الشيء الذي يؤرق الحياة اليومية للناس، ويسبب لهم المتاعب .
وقد كتبت ليندا ليمنغ، مؤلفة كتاب «دليل ميداني للوصول إلى السعادة: ما تعلمته في بوتان عن الحياة والمحبة والصحوة»، في كتابها: «أدركت أن التفكير في الموت لا يجعلني مكتئبة، إنه يجعلني أغتنم كل فرصة، وأرى الأمور التي لم أكن لأراها عادة، أفضل نصيحة أقدمها هي: سافروا إلى هناك، تأمّلوا أمراً لا يمكن التفكير فيه، وهو ما يرعبك مرات عدة في اليوم». وتضيف: «نحن في الغرب نريد أن نعالج الأمر إذا انتابنا شعور بالحزن، إننا نهاب الأسى، ونراه أمراً يحتاج التغلب عليه إلى استخدام الأدوية، أما في مملكة بوتان فهناك تقبّل له، إنه جزء لا يتجزأ من الحياة».
من جهته، كتب الصحافي إيريك واينر، من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، خلال رحلته إلى «تيمفو» عاصمة مملكة بوتان الآسيوية، تقريراً عن أحد أسرار السعادة لدى شعب بوتان، وهو عدم خوفهم من الموت، وصوره وأشكاله، فهو يظهر في كل مكان هناك، خصوصاً في صناعة تماثيل بوذا، حيث ستجد ألواناً وزخارف تجسد الموت .
وبعد وفاة أي شخص، تقام فترة حداد لمدة 49 يوماً، تشمل شعائر تفصيلية ومرتّبة بعناية وطقوس ورقصات تعبيرية، يقال إنها أفضل من أي علاج للاكتئاب.
ويقول واينر إن أحد الأسباب، التي تجعل البوتانيين يفكرون في الموت غالباً، هو أنه يحيط بهم من كل الجوانب، وبالنسبة لشعب صغير يأتيه الموت بوسائل عدة، فقد يلقى الفرد حتفه على طرقهم الملتوية المخادعة، وقد يهاجمه حيوان مفترس، أو قد يموت برداً، بالإضافة إلى المعتقدات البوذية العميقة الأثر في أرجاء البلد، خصوصاً اعتقادهم بعودة الروح في جسد آخر، والحصول على فرصة أخرى في الحياة، وكما يقول البوذيون: «ينبغي عليك ألا تهاب الموت أكثر من خوفك من التخلص من ملابسك البالية».
«السعادة القومية الإجمالية»..
تعد بوتان أول دولة في العالم تعتمد مؤشر السعادة الوطنية لقياس الناتج القومي الإجمالي، وكان أول من صاغ عبارة «السعادة القومية الإجمالية» في عام 1971، هو الملك الرابع لمملكة بوتان، جيجمي سينجاي وانجتشوك، الذي شدد على أن «السعادة القومية الإجمالية هي أكثر أهمية من الناتج المحلي الإجمالي». هذا المفهوم يعني أن التنمية المستدامة ينبغي ألا ترتبط فقط بالمؤشرات الاقتصادية للرفاهية كمقياس للتقدم.
ومنذ ذلك الحين، أثر مفهوم «السعادة القومية الإجمالية» في سياسات بوتان الاقتصادية والاجتماعية، فيما هيمن أيضاً على خيال الآخرين خارج حدودها.
وحددت بوتان تسعة مجالات لقياس «السعادة القومية الإجمالية»، هي: الصحة النفسية، الصحة البدنية، التعليم، استخدام الوقت، التنوع الثقافي، القدرة على التكيف، الحكم الرشيد، حيوية المجتمع، التنوع البيئي والقدرة على التكيف، ومستويات المعيشة.
ووفقاً لمؤشر السعادة القومية الإجمالية لعام 2010، تبين أن 42% من سكان بوتان «سعداء»، في حين كان شعور 50% «شبه سعداء»، ويشعر 8% من الأهالي بـ«السعادة التامة».
ويؤكد المسؤولون في بوتان أن بلادهم قد وضعت نظاماً لقياس التقدم، لا يعدُّ مفيداً فقط لوضع السياسات، لكن من شأنه أيضاً أن يحفز الحكومة والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص لزيادة «السعادة القومية الإجمالية».
وفي 2006، صنفت مجلة «بيزنس ويك» بوتان أسعد بلد في آسيا، وثامن أسعد بلدان العالم، نقلاً عن مسح عالمي أجرته جامعة ليستر في عام 2006، يسمى «خريطة السعادة في العالم».
حظر التلفزيون والإنترنت والسجائر..
قامت بوتان بالمواءمة بين ثقافتها وتقاليدها القديمة مع عملية التحديث، تحت فلسفة توجيهية من مؤشر السعادة القومية، فحماية البيئة في البلاد أولوية قصوى، وهي بلاد قائمة على احترام الإنسان والحيوان والبيئة مطلقاً، لأن سكانها يعتبرون أن الإنسان يستمد طاقته من محيطه بما فيه من أنهار ووديان وبحيرات، لذلك تجد أن بوتان بلد صغير، ومن أشد البلدان نظافة في العالم، وعدد السيارات فيه لا يتجاوز200 سيارة، وفيه عدد لا يحصى من الشلالات والأنهار، ويعيش في بوتان واحد من أغرب الحيوانات وأشدها ندرة في العالم، هو «التاكين»، وهو من فصيلة البقر، وقد تصل عقوبة اصطياده إلى الإعدام.
من جانب آخر، تشير إحصاءات علماء البيئة والمحميات الطبيعية إلى أن نصف مساحة البلاد عبارة عن محمية طبيعية، حيث الحيوانات تسير في كل البلاد دون أن يتعرض لها أحد، ويقوم الأهالي بوضع قوالب من الملح، بالإضافة إلى بعض أنواع العلف أمام البيوت، كي تأكل حيوانات الغابة، كما أن أحد مظاهر الحفاظ على البيئة والصحة العامة، أنه في بوتان ممنوع التدخين في معظم مدن البلاد، ويمنع منعاً باتاً بيع السجائر، في حين يسمح للسائح بإحضار 100 سيجارة معه فقط، لكن يجب عليه بالمقابل دفع ضريبة تبلغ 200 ضعف ثمن السجائر في 2006.
ومنعت بوتان أيضاً دخول أجهزة التلفزيون والإنترنت والهاتف إلى البلاد حتى عام 1999، بهدف حماية الثقافة التقليدية من التأثيرات الخارجية. وفرضت السلطات، أخيراً، يوماً للمشاة كل خميس، بهدف منع حركة السير في المدن.
ويتميز طقس البلاد بخمسة فصول متميزة، هي: الصيف، والرياح الموسمية، والخريف، والشتاء، والربيع، وتنحصر في غرب بوتان معظم الأمطار الموسمية، بينما يتمتع جنوب البلاد بصيف حار رطب، وشتاء بارد، أما بوتان الوسطى والشرقية فهما معتدلتان، وأكثر جفافاً من الغرب، مع صيف حار وشتاء بارد.
وتبلغ نسبة النباتيين في بوتان 80% من السكان، وذلك آتٍ من الثقافة البوذية، التي تعتبر أن كل روح على سطح الأرض هي روح لأحد أجدادهم، ومن غرائب نظامهم الغذائي أنهم لا يعتبرون الفلفل الأحمر من البهارات، وإنما هو مكون أساسي من المطبخ البوتاني.
وعلى الرغم من تصنيفها كإحدى أقل الدول اقتصاداً، فإنها استطاعت أن تتطور اقتصادياً في الأعوام الأخيرة، ففي عام 2007 صنفت بوتان كثاني أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. وتشمل المنتجات الزراعية: الأرز والفلفل الحار، ومنتجات الألبان، والحنطة السوداء، والشعير والمحاصيل الجذرية، والتفاح، والحمضيات، والذرة في الارتفاعات المنخفضة.
صحيفة الجديد