لا تستطيع أن تتخيل حفل التفاهة الحقير وكم الإساءات التي لحقت بالشيخة موزا من قبل العديد من الإعلاميين المصريين، فقط لأنها سجلت زيارة للسودان، وعبرت عن محبتها لهذا البلد، وحرصها بكل رمزيتها المهولة، على التواصل الإنساني، وحماية الأثار السودانية، والتي تتعرض للنهب منذ مئات السنين -دعونا نقولها صراحة- ويتم ترحيلها شمالا .. دوافع الهجوم على الأميرة القطرية تشير بوضوح إلى من نهب أثارنا، وطمس حضارتنا في وداي حلفا.
? أذكر أنني سجلت زيارة إلى متحف اللوفر في باريس، وأدهشني ذلك الحضور البارز للتاريخ النوبي، في التماثيل واللوحات، لاحظت أن ثمة ركن للفراعنة السود، وآثار لبعانخي، لا أدري لماذا خطر على بالي أن المومياء المنتصبة خلف الزجاج المعشق لجدتي في سالف العصور، شعرت بحنين جارف نحوها، وعندما سألت أحد المهتمين بالحضارة كيف وصلت هذه الأثار إلى باريس؟ قال لي أنها هدايا من الحكام المصريين، ومعظمها تحف مسروقة تم جلبها من السودان وبيعها في أوربا، ما يعني أن هنالك سرقات تمت بالفعل، ولا تزال، وأن وزارة السياحة والأثار التي تصم أذانها، وتملأ الصحف بصور وزيرها المنتشي هذه الأيام ليست على علم، ولم تسعى حتى لإستعادة أثار السودان المنهوبة.!!
? في حضن جبل البركل يقف شاهقاً معبد آمون رع، إله الشمس الأسمر، وفي مصر يقف تمثال (أبو الهول) أيضاً بأنف مكسورة، وبينما يعتقد المصريون أن نابيلون كسر تلك الأنف حتى لا تضاهي شموخه، كان الرأي الآخر المغيب أن أنف التمثال تم تحطيمها لأنها أنف سودانية، ولو تركت لفضحت أصل (أبو الهول)، لكن هذا ليس مهماً الآن في خضم الجدل عن الحفاظ على الآثار الموجودة، التي تتعرض إلى السرقة باستمرار، ويقاتل عالم الأثار السويسري شارل بونيه لينفض عنها الغبار القديم، فالرجل يؤمن تماماً بالعبارة السودانية “الجفلن خلهن اقرع الواقفات”
? سيما وأنه لا تتوافر فرقة خاصة يمكن أن تستعيد آثار السودان المنهوبة، على ما هو الحال في الفيلم الأمريكي الشهير “ذا موني مينت مين” الذي يشير إلى غزوات أدولف هتلر، حيث سرق الألمان حوالي خمسة ملايين عمل فني من أنحاء أوروبا، وبعد إقرار الهدنة، نجح الحلفاء في استعادتها جميعها.. وبالرغم من أن رسالة الفيلم تتجاوز الحادثة إلى وضع الجرس على رقبة القط السوداني، إلا أن ما يحزن صراحة أن الآثار السودانية من تحف وتماثيل غير مسجلة ومحصورة بالشكل العلمي، وفي حالة ضياعها، أو بيعها لمتحف آخر يصعب استعادتها .
? في العام (2014) أقامت إدارة المشروع القطري- السوداني للآثار التابع لهيئة متاحف قطر حفلا لتكريم شارل بونيه في متحف الفن الإسلامي، مناسبة التكريم مرور خمسين عاماً على بدء عمله في السودان للتنقيب عن حضاراته العريقة والكشف عن عمق إسهاماتها، قبل ذلك كان شارل مدفوناً في الرمال، لا أحد يعبأ به، لكن المثير في الأمر أن أهل المحروسة أصبحوا يتقصون آثار الرجل، ويطاردون أخباره، وينددون بالمشروع القطري كونه سيميط اللثام عن الحضارة السودانية الأكثر رسوخاً وعراقة في المحيط العربي والأفريقي، مما يفتح مسارا جنوبيا للسياح، هذا ما يفكرون فيه بصوت عال في أجهزة إعلامهم المقروءة والمرئية، ويحاولون بكل السبل التعيم على حضارتنا والتشهير بكل من يحاول الإقتراب منها والتعريف بها. فماذا نحن فاعلون؟
بقلم
عزمي عبد الرازق