التفاهة التي تستخف بالعقل وتستنزف طبائع المجتمع البريء وتحوله إلى قطيع، هي عنوان الإعلام الأمني الرخيص.
التفاهة العدوانية الساخرة التي تزرع الأحقاد بين الشعوب والأمم المتجاورة التي تحتاج إلى بعضها.
التفاهة البليدة التي تسقط أمام أول كلمة علمية في قاموس التاريخ.
كل هذه التفاهة لأن شخصية عربية ذات وزن قررت أن تفتح عينيها على تراث إنساني عريق طواه الزمن دهورا ثم بزغ بصورة قوية كسرت صورة تقليدية قديمة صنعتها الدعاية والسينما وتفويجات السياحة بحثاً عن جغرافية العهد التوراتي القديم وحكايات فرعون موسى….
في السودان لا نتحدث عن عشرات الأهرامات بل عن المئات منها تجدها قائمة في البجراوية والكرو ومروي وما تزال الأرض ولادة .
هي أصغر حجماً لكنها أكثر استطالة مقارنة بنسبة القاعدة إليها.
هي قبور لكن المومياء لا توضع فيها بل تحتها في غرف تتدرج إليها بالدرجات المنحوتة.
معظم رؤوس هذه الأهرامات فجرها جراح إيطالي كريه طماع اسمه فيليني كان يرافق جيش محمد علي باشا بحثاً عن الكنوز الذهبية والحلي النفيسة.
ما تزال الألوان الأولى تزهو في ظلمة المدافن السودانية القديمة.
ما تزال التماثيل العملاقة التي لا تقل حجماً وطولا وفخامة عن تماثيل فراعنة الأرض المصرية كما رأيتها بنفسي في متحف كرمة.
لا نتحدث عن أهرامات هي التصميم الهندسي الأول للأهرامات في شمال الوادي بل نتحدث عن مدن كاملة عجيبة كانت مدفونة تحت الرمال بدأت تكشف عن أقدم مدن إفريقيا كما قال لنا وقال للعالم كله عالم الآثار السويسري الكبير شارل بونيه الذي رافقناه في بحثه عن البوابة العظيمة ومدينة الأعمدة في الدفوفة في كرمة على ضفاف النيل…
رأينا في تراث ملوك نبتة ومروي وكوش… وملكاتها شواهد على لوحة النصر العظيم للفرعون بيعانخي وابنه الملك الشهير الوحيد الذي ذكر اسمه في العهد القديم نصا: تهارقا… فخر ملوك الأسرة الخامسة والعشرين المسماة بالفراعنة السود… بيعانخي وتهارقا وتانوت آمني… ما تزال مدافنهم في السودان تحكي عظمتهم.
ربما لا يعرف كثيرون أن آمون رع الإله الفرعوني الكبير قد بزغ أولاً في جبل البركل هذا المعبد الجبلي المهيب في السودان قبل أن يمتد الاعتقاد به شمالاً…
الأسرة الثامنة عشرة والأسرة الخامسة والعشرون أسر سودانية بتقسيم الجغرافيا السياسية الحديثة امتد سلطانها إلى مصر وفلسطين، وواجهت الثانية جيوش الآشوريين وحمت الشمال الإفريقي القديم من سنابك خيلهم.
أستطيع أن أكتب مئات الصفحات للرد على التفاهة الصلعاء لكن كلماتي ستكون في مواجهة تفاهة رخيصة…
إن اكتشاف حضارة في منطقة ما… هو فخر للإنسانية ولا يغتاظ من ذلك إلا من تجرد منها بتفاهة.
* د. أسامة الأشقر
كاتب ومؤرخ فلسطيني