والدي ثري، عقليته متحجرة، ليس لديه علاقات مع أبنائه، فلا سلام ولا كلام، بصراحة كرهته لأنه يقتل طموحي، هل والدي مذنب؟

السؤال
مشكلتي هي مع والدي؛ حيث إنني الوحيد من إخواني الذي يتحدث معه وبعلاقة جيدة معه، وبقية إخواني لا يتحدثون معه أبدًا!

أنا في عز شبابي، وبآخر فصل بالجامعة، ووالدي ثري، والله منعم عليه، لكنه فقط يعطيني مصروفًا للنفقة، مع العلم أني شخص طموح جدًا، وأحتاج دعمًا ماديًا لتحقيق طموحي، أحتاج مالاً لاستثماره.

أنا لست شخصًا استهلاكيًا على الإطلاق، بل لدي طموح، وسريع التعلم، ولست مسرفًا، وهو مقتدر، ويصرف أموالاً على أشياء تافهة جدًا، لدرجة أن ما أريده من المال قد يصرفه بشيء لا يستخدمه أبدًا، وفي كثير من الأحيان يساعد بعض الأقارب والناس، ومع ذلك لا يدعمني أبدًا، ويمن علينا بمصروف المنزل، ويسيء الخلق كثيرًا، ومع ذلك يظن أنه على حق!

هو صعب التفاهم، عقليته متحجرة، وكما أسلفت فهو ليس لديه علاقات مع أبنائه، فلا سلام ولا كلام؛ لأن إخواني ابتعدوا عنه، مع العلم أنهم بنفس المنزل، لكن بسبب المشاكل إخواني كرهوه ولا يتحدثون معه، لكنه يصرف عليهم إلى الآن.

الخلاصة: إنني عندما أفكر بالموضوع أتوتر وأحزن كثيرًا؛ لأن طموحي يقتل، وأنا طالب، وليس لدي دخل مادي لتكوين رأس مال واستثماره. وبصراحة كرهته ولم أعد أهتم بأمره على الإطلاق؛ لأنه يقتل طموحي وهو مقتدر.

سؤالي بعيدًا عن المجاملات وبصراحة: هل والدي مذنب؟ وهل من أبسط حقوقي أني بعد التخرج أبحث عن مصلحتي وحياتي الشخصية، وأخرج من المنزل، ولا أهتم لأمره؟ لأنني شاب وفي نهاية المطاف لن ينفعني أحد؛ لأني مدمر نفسيًا تمامًا، وأريد أن أخرج من المنزل بأي فرصة، هل أنا محق؟

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:

فإننا لا نوافق على ما يحصل من الوالد، ولا نؤيد بعد إخوانك عنه وعدم كلامهم له، ولا نرضى من ابنه المتميز الوحيد أن يقطع شعرة العلاقة أو يفكر بترك المنزل، وكيف يترك الشاب والده وبيته؟! نسأل الله أن يهدي الجميع للحق والخير، وأن يلهمكم السداد والرشاد.

لا يخفى على أمثالك أن إساءة الوالد لا تبيح لإخوانك الإساءة إليه، هذا إذا وافقنا على ما أشرت إليه من تقصيره في الإنفاق أو تقتيره على أفراد الأسرة؛ لأنك ذكرت أنه لا يزال ينفق على إخوانك الكبار الذين اختاروا البعد عنه وعدم الكلام معه، رغم وجودهم في منزل واحد، ونتمنى أن يكون لك دور في التفاهم مع إخوانك؛ حتى يقتربوا من الوالد، ويظهروا له البر، ويصبروا عليه، وهم مأجورون في كل ذلك، واعلموا أن حق الوالد عظيم، وأن خليل الرحمن رد على والده عندما قال له في قسوة وشدة: (لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًا)، رد عليه بقوله، (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًا)، واستجاب لرغبته فقال: (وأعتزلكم)، وللوالد حق حتى لو كان كافرًا، بل حتى لو طلب من أولاده الكفر فليس لهم أن يطيعوه في ذلك، ولكن مع ذلك يبقى له حق المصاحبة بالمعروف، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا).

أما قولك: هل والدك مذنب أم لا؟ فلا يمكن الإجابة عليه إلا بعد معرفة التفاصيل. ونأمل أن تنقل لنا ما يقوله الوالد، وما يقوم به فعليًا من النفقة، وهل يوفر لأسرته الاحتياجات الأساسية؟ وغير ذلك من التفاصيل التي تساعدنا على تصور الوضع؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. ونكرر لكم القناعة بأن البخل على الأسرة والتقتير على الأهل مرفوض شرعًا، بل إن أفضل دينار ينفقه الإنسان هو ما ينفقه على أهله.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد -رضي الله عنه- لما أراد أن يتصدق بماله كله: (الثلث والثلث كثير) ثم قال له: (إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) فالإسلام دعوة لسعي الرجل من أجل أهله، ومن الذنوب ذنوب يكفرها السعي على العيال.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بمزيد من القرب منه، مع ضرورة إظهار ما وهبك الله من قدرات ومواهب وحسن إدارة للأموال، ولا شك أن أي أب يسعد جدًا إذا وجد في أبنائه من يحسن التصرف ويبرز في إدارة الأموال، فاستعن بالله، وواصل الاجتهاد، واستمر في الطموح، وكن عالي الهمة، وثق بأن صبرك على الوالد وحرصك على إعادة الوئام بين أفراد الأسرة من أكبر وأهم وأنجح المشاريع، واهتم بدراستك لتحقق التفوق الذي هو مفتاح للمعالي، واطرد الوساوس والتفكير السلبي، واعلموا أن أموال والدكم هي لكم اليوم أو غدًا.

نسعد بتواصلك، ونتمنى أن لا تفكر في ترك البيت، وتجنب قطع الصلة مع الوالد، واطلب من إخوانك مراجعة أنفسهم ومواقفهم، وإذا لم يصبر الأبناء على الآباء، فعلى من سيكون الصبر؟! وتذكروا أن الأخطاء لا تقابل بأخطاء؛ لأن في ذلك إضافة شر إلى شر. أسأل الله أن يهديكم، وأن يقر أعينكم بإقبال الوالد عليكم وبإحسانه إلى أهل بيته، واسألوا الله التوفيق والهداية والرشاد.

د. أحمد الفرجابي
شبكة المشكاة

Exit mobile version