كل المؤشرات التي ساقها سياسيون ومحللون سودانيون، تدل أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أصابها الفزع والقلق حيال انتشار الصين اقتصاديا في السودان وأفريقيا إلى جانب توسع التعاون الاقتصادي والسياسي والتجاري الكبير الجاري بين الخرطوم وموسكو.
وهذا التوتر الذي تشعر به واشنطن بأن تفقد سطوتها وأدوارها بالمنطقة، خاصة في الوطن العربي بعد النجاحات الكبيرة التي أحدثتها روسيا فيما يتعلق بالقضية السورية والصين وانتشارها الاقتصادي في بعض الدول العربية الافريقية، أجبر واشنطن على إلغاء العقوبات عن السودان لفترة مؤقتة حتى تتم بشكل نهائي في شهر حزيران/ يونيو المقبل، بعد تنفيذ الاتفاقات الخمس بين الخرطوم وواشنطن.
حول هذا الموضوع، تحدث وزير الدولة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني السوداني المكلف، عبد الرحمن محمد ضرار، يوم الثلاثاء، أثناء ندوة سياسية، بالخرطوم بعنوان “مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية في ظل رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان”، أوضح بعض إن الأسباب التي اضطرت من خلالها أن تجعل واشنطن ترفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، أولاً متمثلة في”تمدد النفوذ الصيني الروسي في السودان، واحدة من الأسباب”، لافتاً، أنه خلال المفاوضات في 6 أشهر التي سبقت قرار رفع العقوبات عن السودان مع أمريكا، طلبت الأخيرة من السودان “عدم زيارة مسؤولين كبار سودانيين إلى الصين خلال 6 أشهر المتفق عليها بين البلدين”.
وأضاف ضرار، من الأسباب أيضاً، الاحتياج للسودان في مساعدة للحد من ظاهرة، “الهجرة غير شرعية التي تنشط في مناطق القرنين الأفريقي وشمال أفريقيا ومنها إلى أوروبا، بالإضافة إلى تنامي المجموعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة وشمال افريقيا، وهشاشة الأوضاع في ليبيا ومصر وارتريا ودوّل أخرى، وتخوف واشنطون في حالك حدوث انفلات أمني في المنطقة قد يؤدي ذلك لفوضى عارمة في كافة المنطقة”.
وأشار ضرار، بأنه بحسب أراء الأمريكيين، “إذا حصلت فوضى في المنطقة، فسيكون السودان مرشحا لإيواء الارهابين والمتطرفين، وهذه من الأسباب التي تتخوف منها واشنطن”.
وذكر المسؤول السوداني، أن خسائر السودان بسبب الحظر الأمريكي لبلادنا، وصل إلى 48 مليار دولار، وهو تجاوز حتى كل ديون السودان الخارجية، وهذا ما تسبب لنا مشكلات اقتصادية وازمة في النقد الأجنبي وارتفاع في الأسعار”.
وفِي ذات السياق، نصح الاستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية، أسامة بابكر ابو راي، في مقابلته مع “سبوتنيك”، بأنه “يجب أن تتخذ الحكومة السودانية سياسية عقلانية وحكيمة في إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة من جانب وبين السودان والصين وروسيا من جانب آخر”، موضحاً، أن من الدواعي الأمريكية التي جعلتها تتخذ قرار رفع العقوبات في الوقت الحالي،” تخوفها من التمدد الصيني لا محدود في افريقيا عبر بوابة السودان، إلى جانب ظهور روسيا كلاعب دولي من جديد، ووقوفها بقوة في القضية السورية بقوة، والمتوقع أيضا أن تتدخل بقوة في القضية الليبية. وهذا ما يقلق واشنطن أن هذه التطورات تكون على حساب دورها في المنطقة”.
وأشار أبو راي، أن واشنطن تريد من السودان يكون لها رصيد في منع التمدد الروسي كما حصل في السابق، إلى جانب منع التمدد الصيني في أفريقيا وان لم تستطع على الأقل تحجيم التمدد الذي يقلق الإدارة الأمريكية كثيرا”.
وتابع، أن التنسيق الروسي الصيني القوى الجاري على نطاق الأمم المتحدة ممكن تتحول إلى سياسة دولية وهذا ما تخيف واشنطن، ونرى كيف تم استخدام حق نقض الفيتو من جانب روسيا فيما يتعلق بالقضية السورية، سبع مرات.
وفِي الإطار ذاته، طالب أبو راي، من الحكومة السودانية، أن تعيد النظر في علاقتها مع اسرائيل. وقال إن “أمريكا تطالب كل الدول العربية والإسلامية أن تطبع العلاقات مع اسرائيل، إن لم يكن في العلن لكنها تجري تحت الطاولة”، مشيراً، أن هناك بعض الدول العربية والإسلامية تقيم علاقات مع اسرائيل مثل دولة مصر.
ورأي الاستاذ الجامعي، أن مصلحة السودان ومن أجل أن يرُفع العقوبات الأمريكية عن السودان بشكل نهائي، “أن يبني علاقات مصالح مع اسرائيل، دون أن يؤثر ذلك نحو القضية الفلسطينية ومع وقوف مع حركة حماس”.
وأضاف “ليس بالضرورة أن يحصل تطبيع علاقات مع اسرائيل أن يعني استئصال القضية الفلسطينية أو حركة حماس، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين الأولى والعرب جمعيات”.
وختم ابو راي، أن إدارة هذه الملفات فيما يتعلق بتوطيد العلاقة مع امريكا وفِي نفس الوقت حفظ العلاقات وتنميتها مع روسيا والصين وخلق علاقات مع اسرائيل، تتطلب قادة بارعين ودبلوماسية عالية وذكاء كبير من المسؤولين
السودانيين، لكن شكك ابو راي في استطاعة الموازنة في هذه القضايا من قبل الحكومة السودانية التي وصفها بالفاقدة لمؤسسيه وممارستها لسياسة “العقيمة”.
يذكر أن الرئيس الأمريكي السابق، بارك اوباما، قد أعلن قبل انتهاء فترته الرئاسية بأيام، إلغاء العقوبات الاقتصادية عن السودان بشكل مؤقت تستمر لـ 6 أشهر حتى تتم إلغاء العقوبات بصورة نهائية إذا التزم السودان بالمسارات الخمسة المتفق عليها بين الخرطوم وواشنطن.
يشار إلى أن الخطوة الأمريكية الجديدة جاءت بعد استمرار العقوبات الأمريكية على السودان لمدة 20 عاما، وستستمر لستة أشهر قبل أن يتم رفعها نهائياً اذا سارت التفاهات على حسب المرسوم عليها في المسائل الخمس، وهي مكافحة الاٍرهاب، ومكافحة والحد من “جيش الرب” الأوغندي، والمساهمة بدعم السلام بدولة جنوب السودان، وإكمال عمليات السلام بالسودان مع الجماعات المسلحة الدارفورية والحركة الشعبية لقطاع الشمال.
الخرطوم — سبوتنيك