في العام 2008 تعرضت لحادثة نهب مسلح في مدينة جوبا ، حيث تم نهبي مبلغ كبير جدا ، من بعض المسلحين المتفلتين … وتعرضت حياتي لخطر ماحق ، حيث رماني الجناة في جبل كجور (جبل يقع في مدخل مدينة جوبا من الناحية الغربية في شارع ياي ) في اليوم التالي ، بعد أن كنت قاب قوسين أو أدنى من الموت ؛ فبعد النهب اختلفوا فيما بينهم في الطريقة التي يتخلصوا بها مني ، فقد أشار بعضهم الي قتلي و بعدها يرموني في البحر ، وآخر اقترح دفني في تلك الغابة ؛ أما رئيسهم فكان رأيه أن يقوموا برميي في الجبل ….
عادة ما يتم العثور علي المفقودين وهم مقتولين في ذاك الجبل ، حتي أسماه البعض بجبل الموت ، فكان لا يمر اسبوع في تلك الأيام إلا وعثر علي جثة أو أكثر لمقتول سوداني أو يوغندي ، و إثيوبي في حالات نادرة جدا ….
بالرغم من الضربة القوية في الرأس و التي تعرضت لها مما أفقدني الوعي ، و المادة المخدرة التي يضعونها في أنفي كل ما أحسوا بأنني استيقظت ، بالرغم من ذلك إلا أنني كنت اسمع أحاديثهم في اللحظات التي أفيق فيها ، فكنت اتسلح ب (حسبي الله ونعم الوكيل) في كل لحظة وعي تنتابني …..
وعندما استيقظت وجدت نفسي في مستشفى جوبا وحولي بعض الاخوة … فقد حكو لي بأن مجموعة من الأخوات العاملات في الكنيسة وجدنني ملقي في جبل كجور حوالي الساعة التاسعة مساءا و قد رآني سائق الحافلة عندما سطع نور السيارة علي جسدي و كنت ارفع يدي مستنجدا؛ وكنت في حالة عدم وعي تام …
وقد امرنه بالتوقف فقمن باسعافي الي المستشفي …
حكي لي أحدهم أن واحدة منهن قالت له : ( في طريقنا الي المستشفي كان اخوكم بين الوعي و فقدانه وكنا نقرأ له في رأسه بعض آيات الانجيل و نطلب منه أن يردد معنا الا انه برغم فقدان الوعي كان يردد حسبي الله و نعم الوكيل )
علي كل أفقت في اليوم التالي ووجدت حولي عدد كبير ممن اعرف و من لا أعرف ، فتم الحجز لي علي اول رحلة الي الخرطوم ، لأن اهلي و زوجتي كانوا في أشد حالات الخوف و القلق علي ، و لقد حاولت اطمئنهم علي حالتي عبر الهاتف ، إلا أنهم أصروا علي عودتي في نفس اليوم …
عند وصولي الي مطار الخرطوم وجدت الكثيرين في انتظاري وكانوا يحاولون إخفاء القلق بفرحة بادية في عيونهم ، ولم يطمئنوا إلا عندما أكد الطبيب بأن حالتي مستقرة وليس هناك أي تأثير من الضربة التي تعرضت لها في الرأس ….
يمكنني أن أتصور حجم الفرحة و الحبور لدي أهل الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم ، و خاصة زوجاتهم و ابناءهم و والديهم… فاليوم الفرحة لا تسعهم ، وربما لم يتذوقوا طعما للنوم أو الأكل منذ أن سمعوا بإطلاق سراح أهاليهم من الأسر … فالفرحة التي رأيتها في عيون اهلي في ذاك اليوم بعودتي سالما لم و لن استطيع ان اعبر عنها مهما دلقت من أحبار أو نظمت من كلمات … فقط سيعرفها و يحس بها العائدون عند ارتمائهم في أحضان أهاليهم ، فهو احساس فوق الوصف … أستطيع أن أحس مدي احساسهم بالدفئ و الأمان لكن لا استطيع و صفه …
فرحة كبيرة غمرت كل السودانيين بمختلف ثقافاتهم و جهاتهم وقبائلهم ، وبمختلف توجهاتهم السياسية و الايدلوجية ، فالإنسانية كل و لا تتجرأ ، و لا يختلف عليها اثنان …
انا شخصيا لا أعرف ايا منهم ولا واحدا من اهاليهم ، لكن فرحتي بعودتهم كبيرة جدا و لا توصف ، ذلك لأنني مررت بتجربة مشابهة لتجربتهم ، بالرغم من أن تجربتي التي استمرت ساعات و أيام معدودات تتقاصر كثيرا عن تجربتهم التي بلغت السنوات …
نتمني أن يكون إطلاق سراحهم بادرة لطرح سلام دائم يشمل الجميع ، حتي ننعم بالأمن و الاطمئنان ، وحتي لا نفطر المزيد من قلوب الأمهات والزوجات والأبناء، فهذا السودان سيسعنا جميعا ان تطايبت نفوسنا …..
شكرا نبيلا للحركة الشعبية التي احتفظت بهم احياء طيلة هذه الفترة ، وشكرا لمبادرة السائحون التي فاوضت الحركة الشعبية لإطلاق سراحهم … و نبارك لهم و لأهاليهم بالعودة ، والحمدلله من قبل و من بعد ….
بقلم
سالم الأمين بشير