تهز حواء رأسها بأسى عندما تسأل عن أحوال ذويها هناك في جنوب السودان وكيف يعيشون في ظل الأزمات المتلاطمة التي تشهدها الدولة الوليدة من صراعات ومجاعة، وتجيب حواء بحسرة «بعضهم وصل إلى السودان والعديد انقطعت عني أخبارهم».
فحواء بلال المنحدرة من قبيلة الباريا بمنطقة نوملي بجنوب السودان فضلت البقاء في السودان عقب أن قرر بنو جلدتها العودة بعد انفصال الجنوب عن الوطن الأم في العام 2011، تعمل حواء بائعة شاي أو «ست شاي» كما يطلق عليها واختارت مدينة القضارف شرق السودان سكناً لها، وترد حواء ساخرة ومكذبة لحقيقة الواقع على من يمازحها بأنها باتت أجنبية وعليها الذهاب إلى وطنها الأصلي بالقول «انفصال ما عملتو انا ولست مسؤولة عنه فأنا سودانية اذهبوا إلى الرئيسين عمر البشير وسلفاكير فهما المسؤولان».
شعور بالأمان
تقول حواء التي انتبذت ركناً في سوق لبيع المحصولات الزراعية بمدينة القضارف لعرض بضاعتها من الشاي والقهوة لزبائنها مرتادي السوق بأنها تشعر بالأمان في السودان لا سيما أن زوجها سوداني ينتمي لإحدى القبائل المعروفة بشرق السودان، وتؤكد حواء في دردشة مع «البيان» أنها لا ترغب في العودة إلى جنوب السودان إلا لغرض الزيارة فقط وتضيف «هنا البلد آمن وأبو عيالي هنا وكل معارفي وأصدقائي هنا لا يمكن أن اذهب إلى الجنوب إلا للزيارة».
وتروي حواء قصصاً عن مأساة أهلها في جنوب السودان بسبب الحرب الأهلية التي أججها القادة هناك وراح ضحيتها البسطاء مثلها وتقول إن الكثير من ذويها فقدوا بين قتيل ومتشرد بعد أن قضت الحرب هناك على آمالهم في الاستقرار، وتشير إلى أن هناك آخرين عادوا إلى السودان ولكن هذه المرة بصفة لاجئين أجانب.
علاقات واسعة
استطاعت حواء من خلال طبيعة عملها وروحها المرحة وابتسامتها الصادقة أن تخلق علاقات اجتماعية واسعة مع زبائنها من مرتادي سوق القضارف وأن تخالطهم وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ولا تخفي هي فخرها بتلك العلاقات حيث تشير إلى أنها وبفضل معارفها استطاعت أن تتجاوز الكثير من الصعاب، وتضيف «عندما قرر أحمد ابني الزواج وقف معي كل المعارف والأصدقاء حتى اكتملت مراسم الزواج دون أن أحس بأني غريبة أو أنتمي لدولة أخرى كما الجميع يزورنني في الأعياد والمناسبات».
فحواء بلال وغيرها كثر من الجنوب سودانيين فضلوا البقاء بعد انفصال الجنوب واختاروا أن يكونوا أجانب في دولتهم الأولى وكأنهم كانوا يستشعرون ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع هناك في الدولة الجديدة.
القضارف – طارق عثمان
البيان