هل يتكرر سيناريو معركة الرئيس الأمريكي “رتشارد نيكسون” مع الصحافة.. التي أودت به، وأخرجته من المنصب قبل عامين من انتهاء فترته الرئاسية؟.
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يصعد إلى ذات الهاوية التي سقط منها “نيكسون”.. وربما لا يكمل ترمب هذا العام.. فهو يخوض معركة غير متكافئة.. بعد أن وقع في عرين الأسود.
الإعلام والصحافة الأمريكية الحرة تحاصر الرئيس “ترمب” من كل جانب.. درس للعالم كله تحت عنوان (إعلام حر.. يعني دولة قوية).
أشاهد يومياً ولعدة ساعات قناة “سي إن إن” الأمريكية.. ليس من باب المتابعة فحسب، بل (متعة) الإحساس بدور الإعلام الحر في صناعة الأمم القوية.
رغم كل السلطات التي في يد رئيس أقوى دولة.. ورغم أنف الجيوش التي تحيط به من مستشارين ومعاونين لكنه يبدو صغيراً أمام الإعلام الحر القوي.. الذي أطاح حتى الآن باثنين من كبار معاوني الرئيس وفي الطريق– وللمرة الثانية- النائب العام “جيف سيشنس”.
أول درس يقدمه الإعلام الأمريكي.. أن الإعلام المؤثر ليس هو امتلاك الحقيقة فحسب، بل مهارة عرض الحقيقة بالشكل والأسلوب المقنع للرأي العام.
على مدار الساعة تدير قناة “سي إن إن” حوارات واسعة مع مختلف الفاعلين في الملعب السياسي، والمراقبين، والصحفيين وتعرض التقارير الميدانية، والصور الإلكترونية للمعلومات، كل هذا بغرض الوصول إلى عقل المشاهد، وإقناعه بقوة الحجة الإعلامية.. ووضع كل الحقائق والمعلومات أمام الشعب الذي يشكل أعلى سلطة في البلاد.
المقارنة تبدو مثيرة بين رئيس يحاول استخدام ما هو متاح من إمكانيات السلطة في عرض نفسه وبرامجه، في مواجهة إعلام جريء وشرس وذكي.
صدقوني لو كنا نملك مثل هذا الإعلام لما كان الشعب السوداني في حاجة إلى برلمان ولا مراجع عام ولا مفوضية مكافحة الفساد ولا السجن ولا السجان باق.
لأن الإعلام القوي هو عين الشعب ولسانه.. يرفع صوت الشعب فوق كل صوت، ويعلي سلطته فوق أي سلطة مهما اشتطت.
أمس بدأ الإعلام الأمريكي استجواب نائب الرئيس “مايك بنس” في ذات التهمة التي كانت حملة “ترمب” الانتخابية تواجه بها المرشحة المنافسة “هيلاري كلينتون”.. حكاية استخدام بريد إلكتروني خاص في العمل الرسمي.. تهمة قد تبدو لنا- هنا- في السودان “هايفة” لا تخدش حصانة المحصنين ضد النقد.. لكنها هناك أقرب إلى “الخيانة العظمى”؛ باعتبار ما قد تسببه من خرق في جدران الأمن القومي الأمريكي.
هكذا تدار الدول الراشدة.. ولهذا أمريكا تتربع في قمة العالم- سياسياً واقتصادياً وحضارياً.
ليتنا– على الأقل في ما يخصنا نحن- نستطيع أن نصنع الإعلام القوي الذي يجعل الشعب قادرا على فرض شروطه وحقوقه بل وأحلامه على الحكومة.. فالواقع اليوم أن الحكومة هي التي تفرض شروطها وإحلامها على الشعب.
نحن في حاجة عاجلة وماسة.. إلى (الإعلام الحر المؤثر).
حان وقت (CNN) السودان.
عثمان ميرغني
صحيفة التيار