تناولت “العربية.نت” في تقرير سابق قصة نجلي أيقونتي الأفغان العرب #عبدالله_عزام وأسامة بن لادن، وهما حذيفة (47 سنة) وحمزة (28 سنة)، واستعرض التقرير حكاية أمير القاعدة حمزة والتعريف به وريثاً لوالده، فهل استطاع حذيفة أن ينال إرث كتائب عزام؟
عقب مقتل عبدالله عزام في كانون الأول/ديسمبر 1989، بقي حذيفة وأسرته في بيشاور، وتنقل بين المقاتلين العرب والفصائل الأفغانية، والتقى في العام ذاته بأبي مصعب الزرقاوي.
وما بين عامي 1995-1996 اعتقلته السلطات الباكستانية مع أخيه، وسلمتهما إلى السفارة المصرية بإسلام آباد على خلفية تفجير السفارة المصرية، وبعد الإفراج عنهما عقب 17 يوماً، تم ترحيل أسرة عزام من باكستان إلى الأردن.
أقام حذيفة في الأردن واستمر بالتنقل بين عدد من الدول العربية، خصوصاً العراق وسوريا، خلال اشتعال الحرب الأميركية للإطاحة بنظام صدام حسين، وكانت جهوده، على حد وصفه، “لدعم الحراك السني وتوحيده لمقاتلة الاحتلال الأميركي”، وفي غضون ذلك التقى في 2003 بالزرقاوي مرة أخرى عقب عودته من #إيران.
أثناء نشوب الحرب على #العراق مكث عزام في سوريا وعمل على نقل المقاتلين الراغبين في المشاركة بالصراع الدائر هناك، وقال في حوار له: “خلال الحرب كان المتطوعون يأتون في جماعات، جميعهم رغبوا بدخول العراق لمحاربة الأميركان. أذكر رجلاً كان كبيراً بالسن سلم المجندين 200 ألف دولار وطلب إعطاءها للمجاهدين”.
لم يتجاوز حذيفة الـ22 سنة حتى بدأت تتضح محاولته تنصيب نفسه وريثاً ومفوضاً عن والده بعد مقتله، واعتقد أن ذلك “شرعية مستحقة”، فقط لكونه “ابن عبدالله عزام”، كما دأب على ترديدها، وتزامن ذلك مع إنشاء المقاتلين من الأفغان العرب أولى الكتائب الحاملة لاسم أبيه (كتائب عبدالله عزام) سنة 1992 في #أفغانستان بعد سقوط كابول.
لعب حذيفة دوراً في المصالحة بين الفصائل الأفغانية المتناحرة التي انخرط فيها مقاتلون عرب جراء الصراع الدائر بين الفصائل الأفغانية في الفترة 1992-1996، حيث قال لهم: “يا إخوة أنتم تقولون إنها كتيبة عبدالله عزام. إن من أقل واجبات الوفاء لهذا الرجل الذي اتخذتم اسمه شعاراً واتخذتموه رمزاً لكم أن تتبعوا نهجه وفكره.. ماذا يقول عبدالله عزام حين تقتتل فصائل المجاهدين بعد سقوط كابول”.
كان لحذيفة وحتى بعد ترحيله إلى الأردن حضور في أفغانستان حتى العام 1998 وما بعده، وهي المرحلة التي فشلت فيها جهود الإصلاح بين الفصائل المقاتلة بقيادة أحمد شاه مسعود من جهة وبين حركة #طالبان من جهة أخرى، وهو العام ذاته الذي التقى فيه الملا عمر بأسامة بن لادن لمطالبته بالخروج ومقاتليه وإيجاد مكان آخر للإقامة فيه غير أفغانستان، جراء الضربات الأميركية التي تسببت بمقتل زوجتي الملا عمر وأحد أبنائه إثر محاولة تفجير المدمرة كول، وهي العملية التي تبناها تنظيم #القاعدة.
وحينها، طالب أسامة بن لادن الملا عمر بإمهاله عاماً ونصف العام لترتيب مكان آخر للإقامة فيه.
التصق حذيفة عزام بأسامة بن لادن 12 عاماً، خلال حقبة ما سمي “الأفغان العرب”، وحتى بعد مقتل والده عبدالله عزام، حيث عاد والتقى بأسامة بعد عودته إلى أفغانستان في جبال تورا بورا قادماً من السودان سنة 1996، حتى كان آخر اتصال لهما سنة 1998.
حاول حذيفة، بعد أن نصب نفسه وصياً على منهج وفكر أبيه، أن يقدم والده عند حد “الجهاد التضامني ومساعدة الشعوب الإسلامية المظلومة”، وتبرئة أبيه من أي فتاوى وأدبيات تدعو إلى استهداف عدو قريب أو بعيد، مروجاً إلى فكرة اختطاف والده من قبل “الجماعات المتطرفة” والكتائب التي “تمسحت باسمه”، وفق وصفه.
هنا نجد مفارقة ما بين الوريثين حذيفة وحمزة، حيث بقي الأخير متشرباً لتراث والده كاملاً ولا يدعي اختطافه، وإنما بدأ باستكمال مشروع والده وبذات الخطاب، متجنباً الدخول في جدال مع الحركات الإرهابية الراديكالية أو الاختلاف معها.
إلى ذلك، تفوق حمزة على رفيق الطريق بما لديه من كاريزما، حيث تربى ولسنوات على أيدي إرهابيين معروفين بالتنظيم، إلى جانب ما ناله من اعتراف به من الناحية الشرعية خلافاً لحذيفة الذي اعتبر غير مرشح لشيء سوى لعب أدوار لوجستية مع بعض الفصائل المسلحة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
عاد حذيفة لتكثيف دوره من جديد من خلال الساحة السورية، فمن جهة فتح الباب مع تيار “الجهاد التضامني والجيش الإسلامي” كما فعل بالعراق، ومن جهة أخرى تصارع مع الفصائل والجماعات التي اتهمها بـ”التطرف والانحراف عن المنهج العزامي” تحت مقولة: “أنا كتائب عزام”.
فشل حذيفة في ترسيخ مكانته لدى صقور الحركات الراديكالية، التي بدورها وجدته هو نفسه منحرفاً عن مدرسة والده فشن عليه المنظران المتطرفان، أبو محمد المقدسي وأبو قتادة المصري هجوماً لاذعاً، فقال عنه الأول: “الجوقة المتآمرة على النصرة: اللامناهجة المدعومون، (الفتى من قال كان أبي) حقده قديم، لكن الأوامر صدرت الآن”، في إشارة إلى حذيفة عزّام.
بالمقابل، اعتبر حذيفة ما يحدثه تنظيم القاعدة التي اتهمها بشق الصف العربي منذ نشوئها إنما هو افتراء على والده، ما دفع معارضيه للرد عليه قائلاً: “دع كتب الشيخ نقية طاهرة كما هي لا تلمسها.. أسأل الله أن تشل يمينك”.
الخط الإخواني القطبي والسروري (نسبة إلى محمد سرور) يعد المصدر الرئيس للحركات “الجهادية”، فبعد تأصيل قطب له في كتابه “معالم في الطريق”، تقارب هذا الشق الإخواني مع نهج القاعدة من خلال عبدالله عزام، وهو من الجناح القطبي في جماعة إخوان الأردن.
فكان أبرز من مثله بصورة جلية أبو محمد المقدسي القريب من فرع الإخوان المسلمين بجناحه السروري المنسوب إلى محمد سرور زين العابدين حيث كان أحد تلاميذه والملازم لحلقاته.
تحوير تطبيقات ونصوص تلك الجماعات وفق قراءات مختلفة بحسب المعطيات المتغيرة هو ما أبقى عبدالله عزام، وبشهادة مقلديه، المؤسس الفعلي لما يسمى “الحالة الجهادية” المعاصرة، بعد سيد قطب الذي أسس لتلك العقلية.
هذا لأن أبعاد “الحاكمية” لدى عزام – الذي تربى مباشرة على سيد قطب – ظلت جلية في تكفير الحكام واختلافه مع النظام السياسي الذي اعتبره “نظاماً ديمقراطياً كفرياً”، وهو المبدأ الذي نشأ عليه الفرع القطبي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي جدد عزام بيعته لمرشدها في بيشاور قبل مقتله بـ6 أشهر وفقاً لشهادة المقدسي.
وقال عزام في قطب خلال لقاء له مع ابنته حميدة: “ما كنت أظن العيش بعد سيد، لقد ملأ الحب على كل جوانحي. ترك للبشرية كنزاً لا يوجد مجموعة من الشباب المسلم في الأرض رجعت إلى الله إلا ولسيد قطب رحمه الله بإذن ربه منّة (فضل) في رقبتها لرجعتها”.
البراغماتية المتكلفة التي حاول حذيفة صناعتها في نقد الجماعات المتطرفة على رأسها تنظيم القاعدة الذي اتهمه بالاختطاف من قبل المصريين، ظهرت بعزائه في وفاة المصري عمر عبد الرحمن المنظر لجماعة “الجهاد” المصرية قائلاً: “رحم الله الشيخ عمر عبد الرحمن وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة والله أسأل أن يقتص ممن كاد وغدر وأوقع به وأن يرينا فيه عجائب قدرته وغرائب قوته”.
إلا أن مبررات تقديم حذيفة العزاء بشيخه عبد الرحمن تكشفت من خلال ما ذكره عمر بن لادن في كتابه المشترك مع والدته بعنوان “إنه بن لادن” حيث قال: “لا يمكن نسيان تنظيم الجماعة الإسلامية بقيادة عمر عبد الرحمن، رجل الدين المصري الضرير، ولأنه كان في السجن في #الولايات_المتحدة فقد أصبح ابنه المنظم المحلي في الخرطوم لكن روح الرجل العجوز بقيت تلهم أتباعه”.
وأضاف بن لادن: “سافر إلى أفغانستان (..) والتقى هناك أستاذه السابق في المدرسة عبدالله عزام.. وبعد اغتيال عزام سافر إلى الولايات المتحدة وكندا حاشداً الدعم للقضية الإسلامية الهادفة إلى إسقاط الحكومات العلمانية، سجن بعد سنة تقريباً من وصولنا إلى السودان، ولهذا كان ابنه يدير منظمته”.
كما تجلت صور بر الابن لرفاق أبيه أن تقدم حذيفة بالعزاء في قيادي في #جبهة_النصرة أبي فراس السوري، بعد مقتله في سوريا 2016، وهو أحد أبرز رفاق أسامة بن لادن وعبدالله عزام، والذي هاجم بشدة كل من خالف منهج القاعدة متهماً إياهم بـ”الكفر والردة”.
وقال حذيفة في تغريدة له: “عظم الله أجر أسرة العم الفاضل أبي فراس نموس، أسأل الله أن يتقبله وابنه، وأن يجعل مثواهما الفردوس اﻷعلى، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان”.
نالت “الأصولية الإسلامية الأممية” دفعتها الإلهامية والفكرية والتنظيمية من رموزها ومنظريها، فبعد مقتل عزام مباشرة – عقب انتهاء القتال في الساحة الأفغانية الذي منعه من تنفيذ مخططاته بـ”الخلافة” – كان هناك من أنيب عنه لإشغال مكانه.
وبحسب ما قاله عزام في إحدى محاضراته: “طلبوا أن تغلق المعسكرات في أفغانستان.. في باكستان حتى لا يتسنى للشباب العربي بالذات أن يجد مكاناً يؤدي فيه فريضة العبادة وواجب الإعداد. لقد طلب اليهود من مؤتمر جنيف أن تغلق المعسكرات في باكستان”.
فشل حذيفة وعبر كل الساحات التي زاحم بها (أفغانستان والعراق وسوريا) من تثبيت موقعه كمستشار مطاع في “الحركة الجهادية”، كما فشل في تنصيب نفسه كترجمان ومفسر لرسائل وأدبيات عبدالله عزام، باتكائه على مبرر وحيد هو أنه ابن من وصف بـ”أمير المجاهدين” و”رائد الجهاد الأفغاني”، الذي لم يكن كافياً لأن يعد المسوغ الشرعي للتوريث لدى مناهضيه.
العربية نت