أُعلن في منتصف ليلة أمس تكليف الفريق أول بكري حسن صالح بمنصب رئيس وزراء السودان.. ليكون أول من يشغل المنصب بعد السيد الصادق المهدي- أي بعد نحو (28) عاماً من حكم الإنقاذ.
وحيث إن الفريق أول بكري يشغل منصب النائب الأول- أيضاً- فيصبح هو أول من يجمع بين المنصبين منذ عهد السيد الرشيد طاهر بكر الذي جمع بين المنصبين في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري.
ولأن الأحزاب المشتركة في الحوار الوطني تراضت على ترك المنصب لحزب المؤتمر الوطني فلن يكون متاحاً لأحد غير المؤتمر الوطني المفاضلة بين المرشحين، فهو قراره.. (شؤون داخلية) لكن يبقى السؤال المهم الحتمي.
الحوار الوطني الذي ابتدره الرئيس البشير في يناير 2014، وبلغ من العمر ثلاث سنوات.. وأنفقت فيه الحكومة مالاً وجهداً ووعوداً كبيرة، أن يكون مرساة لسفينة حقبة وإطلاقاً لشراع حقبة جديدة.. هل تتحقق فيه هذه الأمنية، بتكليف الفريق أول بكري حسن صالح بالمنصب؟.
بكل يقين لا.. ليس لأية اعتبارات شخصية تتعلق به، بل لحيثيات عملية ونفسية تتعلق بموجبات التحضير لمرحلة جديدة تبدأ مع نهاية الولاية الحالية للرئيس البشير في العام 2020.. بعبارة أخرى تصبح السنوات الثلاث المتبقية أشبه بفترة انتقالية.. ليست انتقالية بالمعنى الانقلابي المعهود، بل بالمعنى العملي الرشيد الذي يستوجب بناء مفاهيم وإعادة هيكلة الدولة على أسس تلائم العصر والمستقبل.
ربما أول من يجد نفسه غير متحمس للمنصب الفريق أول بكري حسن صالح نفسه.. فبعد إجهاد استمر ثلاثة عقود من الزمان متتالية.. ظلت السفينة فيها تصعد وتهبط في أهواج رياح عاتية.. لم يعد ممكنا أن يأتي الفريق أول بكري بغير الذي أعطاه خلال الـ(31) سنة الماضية.
ثم إن موجبات خلافة الرئيس البشير وفترة التهيئة المطلوبة حتى 2020 كانت تستلزم شخصية غير وثيقة صلة بالحمولة الثقيلة للفترة الطويلة الشاقة من الحكم منذ فجر الجمعة في 30 يونيو 1989، وطالما أن المنصب أصلا في يد حزب المؤتمر الوطني فمن الحكمة أن تظهر أسماء جديدة.. ولحسن حظ الحزب تتوفر قائمة طويلة من القادرين على المنافسة في هذا المنصب.
بالحساب المجرد من العواطف خلاصة ما توصل إليه الحوار الوطني الآن هو خلاصة بيت الشعر الشهير.
كأننا والماء حولنا.. قوم جلوس حولهم ماء.
وهي حالة جد مخيفة؛ لأنها تعني الجمود ومقاومة الزمن.. ولم يثبت في تاريخ البشرية منذ سيدنا آدم.. أن توقف الزمن!.
على كل حال، لم يترك المؤتمر الوطني أية حيثيات تثبت أن الحوار الوطني كان لأي هدف، سوى شراء الوقت.
عثمان ميرغني
صحيفة التيار