مهام الأمن السوداني تؤخّر إقرار التعديلات الدستورية

مأزق جديد دخل فيه الحوار الوطني السوداني، بعد إعلان حزب المؤتمر الشعبي المعارض، بقيادة إبراهيم السنوسي، الانسحاب من عملية الحوار والعودة إلى صفوف المعارضة، في حال أقدم البرلمان السوداني على إجراء تغيير على حزمة التعديلات الدستورية التي أودعت لديه أخيراً، والمتصلة بتقليص مهام الأمن وملف الحريات. وجاء تمسك المؤتمر الشعبي بورقة التعديلات، باعتبارها وصية زعيم الحزب الراحل حسن الترابي الذي أعدّها بنفسه، وراهن عليها وبرر بسببها الاستمرار في الحوار الوطني، على الرغم من الهزات والعثرات التي واجهتها. وهو ما جعل تلاميذه وقيادات حزبه يشددون عليها باعتبارها “خطّاً أحمر لا يحتمل أن يُدخل أحدهم أي تعديل عليه”. ورأى مراقبون أنه “من الصعوبة بمكان أن يقدم الحزب الحاكم على تقليص مهام الأمن واقتصارها على جمع المعلومات وتحليلها، بالنظر إلى أن الدولة الحالية أمنية بامتياز وتعتمد على الأمن في حمايتها”. واعتبروا أن “الحكومة واجهت في فترات وظروف سابقة ضغوطاً محلية وإقليمية لتحجيم تحرّكات الأمن وتقليص مهامه من دون فائدة”.

الخلافات في التعديلات من شأنها أن تعجل بخروج الشعبي من الحوار

وليست هذه المرة الأولى التي يُثار فيها الجدل بشأن مهام الأمن، نظراً لمساحات التحرك اللامحدودة التي تُفرد له في إدارة البلاد وتأثيره على الحياة السياسية عبر الاعتقالات ووقف نشاطات الأحزاب ومنع التظاهرات ومصادرة الصحف وترهيب الناس. ففي عام 2009، وعند تعديل قانون الأمن أثناء الفترة الانتقالية، التي كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان شريكاً مهماً في الحكومة وقتها، أي في مرحلة ما قبل انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة عام 2011، أثير جدل حول مهام الأمن، وتمسكت الحركة وحلفاؤها بتقليص مهامه في جمع المعلومات وتحليلها والدفع بها للجهات المختصة للتعامل معها، وتجريده من الترسانة العسكرية. الخطوة فشلت بعد إبرام الحكومة صفقة مع الحركة بشأن قانون استفتاء الجنوب، لتمرّر عبره رؤيتها، بالنظر لأهمية القانون بالنسبة للحركة التي كانت عينها على الانفصال، في مقابل غضّ الطرف عن قانون الأمن وتمريره في البرلمان وبذات الصلاحيات.

والأمن السوداني قوة ضاربة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بسبب استثماراته الضخمة في كافة المجالات، فضلاً عن تسليحه العالي أسوة بالجيش، ويشارك معه في عمليات القتال بمسارح العمليات في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. كما تتبع الأمن قوات الدعم السريع “الجنجويد”، قبل أن يتم فصلها بموجب قانون جديد، جعلها قوة طوارئ تأخذ أوامرها من الرئيس السوداني عمر البشير مباشرة. وقد شهدت اجتماعات اللجنة الطارئة التي شكلها البرلمان برئاسة نائبة رئيس المجلس الوطني، بدرية سليمان، جدلاً واسعاً وخلافات محتدمة من قبل اللجنة وفريق المؤتمر الشعبي، الذي شارك في اجتماعات اللجنة. واتهم المؤتمر الشعبي رئيسة اللجنة البرلمانية بمحاولة الالتفاف على التعديلات وتغييرها، وشدّد على أن “أية محاولة للتعديل ستكون بمثابة تزوير للمخرجات وخطوة ستقضي على مساعي الحوار”.

بدوره، اعتبر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، كمال عمر عبد السلام، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “أصل الخلاف يكمن في محاولة سليمان إيجاد تفويض لتعديل مخرجات الحوار بحجة إعادة الصياغة”. وجدّد التأكيد على “رفض حزبه الخطوة جملة وتفصيلاً وتمسكه بأن تُجاز التعديلات برلمانياً مثلما هي”. وكشف عن أنه “في حال تمسك النظام في الخرطوم بالإبقاء على مهام الأمن كما هي والنيل من ورقة الحريات، فإن حزبه سينسحب من الحوار”. كما قال القيادي في المؤتمر الوطني، محمد الحسن الأمين، إن “ورقة المؤتمر الشعبي تضج بالعبارات التي يصعب فهمها، مما يتطلب تبسيطها وإعادة صياغتها”، معتبراً الأمر “طبيعياً بالنظر إلى دور البرلمان في التشريع”.

من جهته، طالب رئيس “تيار إسناد الحوار”، عمار السجاد، الأحزاب المشاركة في الحوار بـ”وقف المشاورات المتصلة بتكوين الحكومة الجديدة إلى حين دفع وحزبه بتوضيح حول الخطوة”. ونوّه إلى أن “إيداع التعديلات البرلمان تم للعلم والإجراء فقط، وأنه لا يحق للأخير إجراء أي تعديل عليها، وأي خطوة في ذاك الاتجاه بمثابة تنصل من الاتفاق”. ورأى محللون أن “الخلافات في التعديلات من شأنها أن تعجل بخروج الشعبي من الحوار”، بينما اعتبر آخرون أن “الخطوة سرعان ما تنتفي من دون أن يحقق الشعبي مطالبه، لحاجة الحزب إلى الاستمرار في الحوار والمشاركة في الحكومة”.

ورقة المؤتمر الشعبي تضج بالعبارات التي يصعب فهمها، مما يتطلب تبسيطها وإعادة صياغتها

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي، ماهر أحمد، أنه “من الصعوبة إحداث أية تعديلات في مهام الأمن”، منوّهاً إلى “فشل الدعوات في ذلك الخصوص منذ اتفاق نيفاشا (اتفاق السلام الشامل عام 2005) وحتى تعديل قانون الأمن”. وذكر أن “خلافات المؤتمر الوطني والشعبي سرعان ما ستزول، من دون أن يعمد الأخير إلى الانسحاب من الحوار، باعتبار أن الحوار والمشاركة في الحكومة مرتبطان بالاتفاق غير المعلن بين الرئيس البشير والأمين العام للمؤتمر الشعبي، إبراهيم السنوسي. ومن شأن العلاقة الشخصية بين الرجلين ردم أية هوة خلاف تطرأ”.

وكانت جلسات الحوار الوطني قد أنهت أعمالها بعد أكثر من عامين من التعثر، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط مقاطعة من الأحزاب السياسية والمعارضة السلمية والمسلحة، من بينهم حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، والحزب الشيوعي بزعامة مختار الخطيب، فضلاً عن الحركة الشعبية والحركات المسلحة الدارفورية الرئيسية. وذلك في مقابل مشاركة الحكومة وحلفائها وبعض الأحزاب المعارضة التي تفتقر إلى قاعدة شعبية وفعل سياسي باستثناء المؤتمر الشعبي.

العربي الجديد

Exit mobile version