المذيعة السودانية بقناة (إيه بي سي) الأسترالية، ياسمين عبد المجيد، مهندسة حفارات النفط التي تُوجت بشخصية العام في أستراليا للشباب، أشعلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في أستراليا بحفرياتها عن الشريعة الإسلامية، وبعد أن كانت شخصية نالت إعجاب أستراليين، دُبجت عرائض على الإنترنت ممهورة بتوقيعات الآلاف يطالبون بطردها من العمل بالقناة الأسترالية، بينما وجهت روابط العلماء المسلمين دعوات للقناة بالاعتذار لها.
في عام 2015 توجت السودانية ياسمين عبد المجيد، الناشطة الشبابية والمذيعة بقناة (إيه بي سي) الأسترالية، بجائزة شخصية العام في أستراليا للشباب، وفي حيثيات منحها هذه الجائزة يقول الأستراليون إنها أثارت إعجابهم لاختيارها مجال العمل في هندسة الحفارات النفطية، وهي مهنة شاقة ومحفوفة بالمخاطر. وتقول ياسمين الرائدة في هذا المجال الخاص بالرجال، إنها تهوى قيادة سيارات السباق وإصلاح أعطالها الميكانيكية، وياسمين عندما استقرت أسرتها المهاجرة من السودان في مدينة بريزبن، عاصمة ولاية كوينزلاند، شرق أستراليا، لم تكن تتجاوز عامها الثاني، وبالتالي جاءت نشأتها أسترالية وهي كمواطنة أسترالية فاعلة جداً في المجتمع، من خلال تأسيسها لمنظمة (شباب بلا حدود)، التي تهدف إلى حشد طاقات الشباب من الجنسين لخدمة المجتمع.
ولكن فجأة وربما تماهياً مع حالة إرهاب الأجانب والإسلاموفوبيا التي اجتاحت العالم مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة والقرارات التي أصدرها بحق المهاجرين، تغيرت الصورة بالنسبة لياسمين عبد المجيد التي وجدت نفسها في حالة دفاع عن الإسلام والشريعة الإسلامية، في مجادلة على الهواء مباشرة في برنامج (سؤال وجواب)، الذي يقدمه زميلها توني جونز مع النائبة البرلمانية (تسمانيا جاكي أمبي)، لمناقشة قضية الهجرة، وتملك النائبة آراء متشددة حول هجرة المسلمين إلى أستراليا وعن الشريعة الإسلامية، فقاطعتها ياسمين التي بدت في مقاطع الفيديو المتداولة على الإنترنت بشدة قائلة: “هل تعرفين ما هي الشريعة؟ هل تعلمين؟”، ثم أجابت ياسمين قائلة: “الصلاة خمس مرات في اليوم هي الشريعة”. وبينما كانت النائبة البرلمانية تهاجم الإسلام باعتباره ديناً لا يحترم المرأة، قالت ياسمين: “إن الإسلام دين أكثر نسوية”.
وياسمين صاحبة الـ(25) عاماً التي تقدم البرنامج الأوسع انتشاراً في أستراليا، كانت غاضبة من دعوة النائبة البرلمانية لترحيل جميع المسلمين الذين يدعمون الشريعة الإسلامية من أستراليا، بينما هاجمتها النائبة البرلمانية بأنها تلعب دور الضحية، وعندما تصاعدت حدة النقاش بينهما، حيث أظهرت مقاطع الفيديو علو أصواتهما في الوقت نفسه، صرخ مقدم البرنامج توني جونز بأنْ توقفا، الصراخ هكذا في وجه بعضكما بعضا لا يخدم أي قضية!
بعد نهاية البرنامج اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي حرباً ضد ياسمين التي يرون أنها “كذبت على المشاهدين بشأن مزايا الشريعة الإسلامية”، مطالبين القناة التي تُمول من دافعي الضرائب بطرد ياسمين من العمل، ووصلت بحسب صحيفة الغارديان البريطانية التوقيعات على العريضة حتى منتصف نهار الاثنين (20,068) توقيعاً، ولا تزال العريضة مفتوحة على الإنترنت، ولكن الناطق بلسان القناة أكد للصحيفة البريطانية أن ياسمين لن تفقد وظيفتها.
ويبدو أن النقاش الساخن في الحلقة التلفزيونية هو الذي فجر الأزمة، ولكن حملة منظمة تقودها منظمة يمينية تدعى (أتلكون)، تقف وراء دعوات طرد ياسمين من القناة، وتشير إلى روابط بين ياسمين وحزب التحرير الإسلامي المحظور بعد تبادل رسائل مع وسام دوري الناطق بلسان الحزب في أستراليا، بالإضافة إلى اتهامها بأنها سافرت في رحلة ممولة من دافعي الضرائب إلى السودان، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، للترويج لكتاب لها، إلا أنها لم تشر فيه إلى الختان في جميع أنحاء العالم الإسلامي، أو الرجم بتهمة الزنا.
وفي مواجهة الحملة التي تتعرض لها ياسمين، أصدر (49) قادة من المجتمع الإسلامي في أستراليا والمحامين والمنظمات المناهضة للتمييز الديني، بياناً نشرت صحيفة (ذا أستراليان) فحواه، جاء فيه أن ما قامت به النائبة البرلمانية أثناء البرنامج، يعد خرقاً لقيم القناة، مطالبين القناة باعتذار رسمي، وتمثل الروابط والمنظمات التي وقعت على البيان طيفا واسعا من المجتمع الإسلامي في أستراليا، على رأسها البعثة الإسلامية الأسترالية، وجمعية (لا تروبي إسلامك سويتي)، وجمعية مراقبة الإسلاموفوبيا، التي وصفت تعليقات النائبة البرلمانية على الهواء، بأنها تعبر عن عنصرية وكراهية للإسلام.
وقال البيان: “نحن نعتقد بأن المقطع احتوى خرقاً لقيم القناة في احترام المشاهد ومراعاة كافة الاعتبارات المتعلقة بالكرامة والنزاهة”. ويضع البيان اللوم على القناة وإعداد البرنامج الذي سمح للنائبة البرلمانية بأن تتفوه على الهواء بما وضعها في مواجهة مباشرة مع ياسمين، كما أن مقدم البرنامج توني جونز فشل في إدارة الحوار بما يصون قيم الاحترام والنزاهة، وأن خطاب الكراهية يجب أن لا يسمح له بالانتشار عبر القناة. وأضاف البيان: “إذا كان برنامج (سؤال وجواب) يرغب في استضافة المسلمين، يجب عليه توفير ضمان بيئة آمنة للحوار والإحساس بالثقة والأريحية”.
الناطق باسم القناة قال للصحيفة الأسترالية، إن البرنامج مصمم أصلاً لتوفير منبر لوجهات النظر المتباينة من خلال النقاش والجدل، وهو برنامج حي مباشر وليس هناك (سكريبت) محدد يتبعه مقدم البرنامج، وإنما ادارة الحوار بين الضيفين.
الخرطوم- محمود الدنعو
اليوم التالي