هناك عادات كثيرةٌ ومختلفةٌ لعددٍ كبيرٍ من القبائل السودانية التي ارتبطت بالزواج وهي تختلف من منطقة لأخرى، ومن بين تلك العادات المرتبطة بحفلات الزواج عادة (البطان) التي يقوم فيها عدد من الذكور بجلد بعضهم البعض بـ (السياط) أثناء ترديد المغني لأغنيات السيرة والحَماسة غير مُبالين بالآلام التي يتعرّضون لها، في الوقت الذي تنزف فيه الدماء من ظُهورهم التي ألهبتها السياط، بل يكونون أكثر ثَباتاً وحَماساً ويرون في ذلك دليلاً على القوة والشجاعة، إلاّ أنّ لتلك العادة أضراراً صحية خطيرة أكدها بعض الأطباء باعتبار أنها تجلب الكثير من الأمراض الخطيرة والمعدية، (كوكتيل) أعدّت هذا التقرير الذي تناولت من خلاله عدداً من الآراء حول تلك العادة مع استصحاب رأي الأطباء للتوعية بمخاطرها.
(1)
الموظف فيصل التوم قال حول الموضوع: (قاطعت المناسبات التي يكون فيها “البطان” حاضراً حتى لا يتم جلدي بطلب من أهل المناسبة وإن رفضت سيتم تصنيفي بالخائف، وأنا أعلم تماماً بأن لها مخاطر صحية وخيمة، لذا أطالب كل من يُمارسون تلك العادة بأن يتركوها وإيجاد بديل آخر أخف ضرراً)، فيما قال الأستاذ الجامعي فضل الله المجتبى إن البطان هو دليل على الفروسية لمن يمارسونه ويمكن أن يكون (دَيْناً) على رقبة العريس، مُشيراً للموقف الذي تعرّضوا له في إحدى المناسبات قائلاً: (ذهبنا نحن ومجموعة من الأساتذة لمناسبة زواج زميلنا بإحدى الولايات وبعد الغداء سألنا عن (الكشف) لنساهم مادياً فتفاجأنا بقولهم: (دي بلد السوط والدلوكة لازم نكرمكم وحرّم تنجلدوا كل واحد سوطين وبالفعل تمّ جلدنا، ومنذ تلك اللحظة احذر المُناسبات التي يكون فيها البطان حاضراً)!!
(2)
فيما حكى الفنان الصادق شلقامي – في عدد من المناسبات – بأنه تعرض في فترة ماضية للجلد في إحدى المناسبات التي كان مغنياً فيها وذلك بطلب من أهل المناسبة، موضحاً: (تمت دعوتي للغناء في مناسبة زواج، إلاّ أنّ صاحب المناسبة طلب مني أن لا أردِّد أغنيات حماسية نهائياً حتى لا يُمارس بعضهم “البطان”، وبالفعل اعتليت المسرح وبدأت في ترديد عدد من الأغنيات العاطفية، إلاّ أنّ الحاضرين على ما يبدو لم تعجبهم تلك الأغنيات فظلوا يُطالبونني بأن أردِّد أغنيات السيرة والحماسة، وأخيراً رضخت لطلبهم بعدها لم تشاهد عيوني إلا النور وذلك بعد أن توسطوا الساحة وبدأوا في خلع (جلاليبهم) وجلد بعضهم البعض بالسياط حتى كادت الحفلة تتوقّف لأتفاجأ بصاحب المناسبة وهو يعتلي خشبة المسرح ممسكاً بالمايك وهو يقول:( علي الطلاق الليلة الفنان ده يشاركنا ولازم يتجلد معانا)، وحقيقةً تفاجأت ولم يكن هناك مفرٌ من طلبه بالرغم من توسُّط الكثيرين، إلاّ أنّه تم جلدي فندمت على ذلك.
من جانبه، قال الفنان ود البكري إنه اعتاد على تلك المُمارسات التي يصفها بأنّها جُزءٌ من عادات وتقاليد أهل المنطقة، مُؤكِّداً أنّه دائماً ما يُردِّد تلك الأغنيات فيتدافع لساحة الرقص الرجال والشباب وهم عراة ليجلدوا بعضهم البعض وسط زغاريد النساء.
(4)
في وَقتٍ سَابقٍ، عبّرت الفنانة حرم النور عن مدى حُزنها وأسفها لما تعرّض له بعض الرجال من جلد بالسياط في حفل (الدارة) الذي قَامَت بإحيائه في إحدى قُرى ولاية نهر النيل قبل فترة وذلك أثناء أدائها لأغنية (أفوتك وين)، الأمر الذي تسبّب في انفعال البعض منهم وسط زغاريد النساء ليتم جلدهم بما يُعرف بـ “البطان” ما أدى لتطاير الدماء ودخول البعض منهم في حالات هيستريا وإغماءات، الأمر الذي دعا لنقل بعض الحالات الخطرة إلى مركز صحي القرية وهم بين الحياة والموت، موضحةً لـ (كوكتيل): (عندما تغنّيت بتلك الأغنية لم أكن أدري بأن يحدث ذلك، إلاّ أنّني اعتبرت أن الجلد أمر عادي ما يُعرف بـ “البطان”، فهو من العادات القديمة والمعروفة إلاّ أنّ الأمر تطور فأضطررت لإيقاف الغناء حتي لا تتفاقم الكارثة فقد أحزنني ما حدث).
(5)
في الوقت الذي حذر فيه الأطباء أنّ عادة “البطان” تتسبّب في كثير من المخاطر الصحية والأمراض من بينها تعرض الشخص للإصابة بمرض الإيدز أو الكبد الوبائي وذلك نسبة للجروح التي يسببها الجلد ويكون السوط مُضجراً بالدماء ليُضرب به شخص آخر ظهره ملئ بالجروح ليكون الجرح المفتوح مهيئاً لانتقال أيِّ مرض مُعدٍ خطير، بجانب تعرض الجسم للالتهابات الحادة التي يُمكن أن تتسبب في مُضاعفات خطيرة لا يُمكن الشفاء منها، فيما طالب الخريج الجامعي سفيان أحمد بضرورة التوقف عن مثل تلك العادات الضارة وضرورة مُحاربتها ولو اضطر الأمر لإطلاق (هاشتاق) في مواقع التواصل الاجتماعية لإيقاف ما يحدث!!
تقرير: محاسن أحمد عبد الله
السوداني