(أمن العطا) وحقوق الإنسان..!

* أرى أن حقوقنا المنتهكة كصحفيين نمارس الكتابة اليومية؛ لا تسوي شيئاً بالمقارنة مع السجل (الانتهاكي) الأسود لجهاز أمن البشير في السودان بقيادة محمد عطا؛ وقبله شرذمة من الطغاة المفتقرين إلى روح السودانيين وروح الإسلام وروح السلام أيضاً..! أعني الأمن ــ بالأخص ــ المتطفل على الإعلام؛ كتطفله في أشياء لا نستطيع حصرها الآن.. وأعني بالصحفيين شخصي والزميل العزيز د. زهير السراج.. ظن البغاة في الجهاز بأن إيقافنا ــ المتكرر كل عام ــ سيهز أقلامنا ويكسر إرادتنا الحرة في مقاومة (مُراح) التسلط المسيطر على البلاد؛ أو سيكون الإيقاف سبباً في زلزلة (الجريدة) وقد توقفت المصادرات المجحفة في حقها مؤخراً بعد أن أحاط بها فحيح عسس الحاكِم لزمن طويل..! وبالتالي استراح ذلك الشبح الأمني المتسلل ليلاً لمصادرة الصحف بإسلوب إجرامي (غير منقوص)، ظناً منه أن الإنتقام بتعريض الصحيفة للخسائر (سيؤدبنا) حسب مفهوم السياسيين الكرور؛ وما دروا بأن كافة الصحافة الورقية الموالية والمعارضة والمستقلة (لا تفرق معنا) ولا بجيوبها مفاتيح أرزاقنا.. ولا نعتد بالإعلام كله في هذا العهد ما بين (ديك وفرّوج) توهموا أن المنع سيجعلنا نتراجع (ولو سنتمتر) عن قناعاتنا؛ وأولها وجوب الحرب على نظام البشير بأيّة طريقة يريدها المُحارِب؛ سلمية أو شرسة (المشير نفسه يدعو للشراسة)! ومن قناعاتنا أيضاً العمل على لم الشمل لعصيان قادم مثلما فعلنا بوضوح تام في تمتين أواصر عصيان مضى..! وهذا من دواعي غضب أجهزة سفاح الخرطوم علينا.. هم يروننا كمعارضين ــ متآمرين ــ ونحن نراهم كأعداء لله والرسول والبشرية..!

* زوال المصادرات الأمنية مؤخراً لا علاقة له بتغيرات طرأت على سياسات بعض الصحف التي اقترنت اسمائها بالكبت المستمر؛ إنما هو ذو علاقة بحالة غش معتادة يمارسها الجهاز (مقتدياً بكبيره!) كلما حان موعد (جدول حقوق الإنسان السنوي)! هذه الحالة أعقبت إعلان الرفع الجزئي والمشروط للعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان داخلياً قبل أن تكون مفروضة خارجياً.. ولا ننسى بعض التغيرات الحادثة على الصعيدين المحلي والعالمي ووصول ترامب إلى الرئاسة وأثر هذه التطورات مجتمعة في تخفيف حدة الصلف الأمني ــ نسبياً ــ إزاء الصحف..! فجهاز الأمن الذي رفع براثنه موقتاً عن الصحف تبعاً لمرحلة الرضا الأمريكي؛ ما أيسر أن ينشبها متى شاء للإنتقام مجدداً من ذات الصحف.. فهو مخادع كالسلطة التي يتبع لها؛ لا يكف عن أفعاله القبيحة كرماً منه.. لكن.. هو مُكره على تخفيف تعدياته الصارخة تجاه حقوق الإنسان بناء على تقديرات طارئة! وبناء على أصوات الخارج وحساب رغباته؛ سواء كانت هذه الرغبات الخارجية صادقة أو مخادعة أو تكتيكية؛ والجهاز يضع في الإعتبار مصالح النظام غير المرتبطة بالشعب.. فالشعب من الأشياء الثانوية بالنسبة لجماعة قمعية لم ينتخبها أحد (غيرها) ورئيسها مطلوب جنائياً.. ومن عادة الأنظمة ــ العصابية ــ غير الشرعية كنظام عمر البشير؛ أنها تنفق الوقت بتحسس الثغرات التي تمثل لها قدراً من الخوف والهواجس؛ فالتضييق عليها خارجياً ينعكس داخلياً كما لو أنه يوحي بزوالها.. والزوال يعني أن سجان اليوم سيصبح سجيناً (على الأقل) إذا لم يُقتل بالقانون أو بطريقة (ملك ملوك إفريقيا)..! هذا رغم هشاشة الخارج بالنظر لفظائع سلطة البشير منذ أمدِ ليس قصير.. أما الأصوات (السودانية) المنادية بحقوق الإنسان فإنها تظل لدى الجهاز كالعدم..! وهل تربّت جماعة الحكم على الحق في الدين أو العرف؟!! مع ذلك فإن كل من يمتلك زمام عقله لن ينتظر سند الخارج في (تغيير ــ انتفاضة ــ ثورة سودانية).. فالدول أصبحت تحكمها مصالح سياسية أكثر مما تحكمها مباديء تتعلق بحقوق الإنسان وكرامته.. الخ.. ربما يتفق الغالبية على تحكمات المصالح الضيقة في نطاق لحظتنا السودانية الراهنة؛ وقد أصبحت غلبة الباطل في هذه اللحظة مدعومة من وراء البحار ومدن الملح..!
* الآن.. وبعد تحوّل حكومة المليشيات إلى طائر بجناح أطلسي وأرجل خليجية و(قلب دكتاتور قديم وميت!) فإن حقوق الإنسان السوداني إن لم تؤخذ بالعصيان والثورة؛ فلنحتمل العصا و(العفص)..!

* أردتُ بالمقدمة التي عطفت على الكاتب د. زهير السراج وشخصي الضعيف؛ مدخلاً متواضعاً لفعائل الأمن (كمأمور سياسي غير مهني) يسعى لضرّنا.. والرَّب يريد نفعنا (غصباً عنهم)..! لم أرد من المقدمة التذكير بقضيتنا الصغيرة؛ إذ لا تساوي (شولة) بالنسبة لقضايا عظيمة تتعلق بالإنسان السوداني؛ وحقوقه المهدرة ــ المأكولة ــ بأيدي الأنذال..! أما سبب تأخر فك حظرنا الصحفي الذي يتساءل عنه بعض الأحبة؛ فلا نأبه متى يكون؛ إن الأمر مردود للخبث الأمني؛ فهم يعولون على الزمن وترحيله للأمام عسى أن يحدث شيئاً يبنون من خلاله قراراً.. أو ينتظرون مصيبة تحل بنا كما بدأ واضحاً من خلال بلاغات مضحكة (فتحتها) بعض الدوائر الحكومية ضدنا.. الخ.. والحديث يطول عن كثير نمسك عنه حول عبث جهاز أمن العطا واستهانته الدائمة بحقوق الإنسان.. فهو يتعامل مع الواقع بعيداً عن مهمته الأساسية.. ونحن نتعامل معه كحزب سياسي آحادي لا أكثر.. لكن دعونا الآن مع الهوان الذي يرزح فيه الخبير الأممي الخاص بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في السودان أريتستيد نوننسي؛ فقد أكثر من طلباته للحكومة من أجل صيانة حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين، كما جاء في أخبار الأسبوع الماضي (بالجريدة)؛ معرباً عن قلقه حيال حالات الاعتقالات والاحتجازات المطولة التي تستهدف ممثلي منظمات المجتمع المدني، من غير الحصول على التمثيل القانوني، أو السماح لهم بمقابلة عائلاتهم. وقال نوننسي في مؤتمر صحفي بالخرطوم: (لقد عبرت عن قلقي هذا لمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أثناء لقائي به، وأنا أرى أن اللقاء كان لقاءً بناءً. وحث الخبير المستقل البرلمان على تعديل القوانين وإلغاء جميع الأحكام التي تتضمنها تلك القوانين وتتعارض مع حقوق الإنسان الدولية.. الخ).

* الخبير يصف لقائه مع مدير الأمن بالبناء؛ لمجرد (طق حنك) فإن كان الخبير قلقاً يظل المدير المعني ليس قلقاً على شيء كما تعودنا..! ولا ندري إن كان هذا الخبير يعلم (مع أي نظام مخادع يتعامل)؛ لأن القهر الأمني مستمر بمنع الأنشطة المجتمعية والحزبية وغير ذلك أساليب الأمن (على حساب الحريات والكرامة).. القهر يمارسه حتى (كوادر المحليات)! أما الطلب للبرلمان السوداني بتعديل القوانين المتعارضة مع حقوق الإنسان الدولية فهذا يعني أن الخبير جاء ليتنزه فقط وسط أعداء حقوق الإنسان (النوعيين)؛ لأن المُخاطب ليس برلمان مثل برلمانات بقية الدنيا؛ إنما هو بمثابة (بيبي) للدكتاتورية الحاكمة..!
أعوذ بالله

أصوات شاهقة – عثمان شبونة
صحيفة الجريدة

Exit mobile version