10 سنوات وأكثر قضاها مسؤولو الدولتين في تبادل الاتهامات وإطلاق التصريحات النارية، تنديدا بأحداث وجرائم ضد الأفراد وتحديا من الطرف الآخر كرد فعل، حتى دخلت الأمور بداية من إبريل 2003 في منحى جديد كان كفيلا بالإجهاز على العراق.
في هذا التاريخ اجتاحت القوات الأمريكية العاصمة العراقية بغداد، بحثًا، حسب زعمهم، عن أسلحة الدمار الشامل، إلى أن أوقعوا بالرئيس الراحل صدام حسين في ديسمبر من نفس العام، لتبدأ مرحلة جديدة في المنطقة العربية بأكملها.
بلحية وشعر غير مهندمين ألقت القوات الأمريكية القبض على الرئيس الراحل صدام حسين في العملية المعروفة بـ«الفجر الأحمر»، وذلك باكتشاف موقع اختبائه تحت الأرض من خلال أحد الأنفاق، ليتم التحقيق معه من جانب جهاز الـ«CIA» تحت إشراف المحقق «جون نيكسون».
وقع الاختيار على «نيكسون» من جانب «CIA»، نظرًا لدراسته شخصية الرئيس العراقي الراحل منذ أن كان طالبًا في المرحلة الثانوية، كذلك كان يحلل شخصيات القادة داخل جهاز المخابرات المركزية، وبعد أن كلفوه بجمع المعلومات عن «صدام» وتوجهه إلى بغداد أصبح هو الجدير بأن يحقق معه.
واستطاع «نيكسون»، من خلال التحقيق، الحصول على أقوال «صدام» فيما يخص العديد من القضايا الشائكة التي نشأت في عهده، على رأسها غزو الكويت واستهداف الأكراد في مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، وهو ما كشف عنه في حواره ببرنامج «نقطة نظام» على قناة «العربية».
رغم العداء الذي أظهره «صدام» للأمريكان إلا أنه كان متعاونًا مع المحققين بشكل سلس، حسب رواية «نيكسون»، والذي اعتبر أن أغلب ما قاله كان يتسم بالصدق، مع أن تكتمه الشديد في الحديث يدفع المستمع إليه إلى اتهامه بالكذب.
تطرق حديث «صدام» و«نيكسون» إلى غزو الكويت، حينها وضع الرئيس الراحل يديه على رأسه وقال: «هذا الأمر يصيبني بصداع شديد»، ليعترف بعدها بخطئه.
ويردف «نيكسون» أن الإدارة الأمريكية بقيادة «بوش» وجهت إشارات مهادنة إلى السفيرة «أبريل جلاسبي»، والتي اجتمعت بـ«صدام» وطمأنته، لكنه لو كان يعلم أن الولايات المتحدة سترسل 500 ألف جندي إلى الكويت لإخراج جيشه، وفرض عقوبات دولية على العراق لما اتخذ القرار بالغزو.
في عام 1988 هاجمت القوات العراقية منطقة حلبجة التي يقطنها الأكراد، مستخدمة الأسلحة الكيماوية، والتي أفضت إلى قتل ما يقرب من 5000 مدني، وهو الموقع الذي كان تحت سيطرة الجيش الإيراني في حرب الخليج الأولى.
ومع فتح ملف هذه القضية في التحقيقات غضب الرئيس العراقي الراحل بشدة، وقال لـ«نيكسون»: «لم أتخذ القرارات الخاصة بمسألة حلبجة، واسأل عنها نزار الخزرجي، القائد العسكري الميداني، المسؤول عن عملية الأنفال العسكرية حينها».
وباكتشاف «صدام» ما حدث على أرض حلبجة خشي أن تحدث إيران ضجة عبر دعوة وسائل الإعلام للوقوف على الواقعة، لتحالف سكان المدينة معهم، وهو أمر بإمكانه إلحاق ضرر بالغ بالعراق على الصعيد الدولي.
«في اعتقادي كان خطأ فادحًا، وشعرت بإهانة بالغة إزاء الطريقة التي تم بها التعامل معه»، بهذا الشكل قدر «نيكسون» تعامل السلطات الأمريكية مع صدام حسين، رغم أنه كان يتعمد أن يناديه بـ«صدام» فقط دون أن يسبقه بلقب «السيد» أو «الرئيس» حتى يجعله لا يفكر كأنه رئيس دولة ويحطم آلية الدفاع لديه، حسب تعبير المحقق.
باعتقال الرئيس الراحل توقع «نيكسون» من الوهلة الأولى أن حكم الإعدام سيكون مصير «صدام»، والذي اعتقد نفس الأمر هو أيضًا، حينها شكل نور المالكي، رئيس الوزراء العراقي وقتها، ضغطًا على القضاة، بتهديدهم بـ«سحب عناصر حمايتهم وطردهم خارج المنطقة الخضراء، ما يعني بالأساس إصدار حكم بالموت ضدهم».
بهذا الشكل لم يجد القضاة مفرًا من إصدار حكم الإعدام، حسب رواية «نيكسون»، حينها كان يظن أن هذا الإجراء كان هدفه إظهار أن القانون أصبح سائدًا على الأراضي العراقية، لكنه استدرك: «ما حدث في المقابل هو تنفيذ حكم الغوغاء فيه داخل قبو في مبنى حكومي ليلًا، هذا أمر جعلني أشعر بالاشمئزاز لأنه دمر اعتقادي بأي مبرر لشن الحرب».
المصري لايت