كم أنا حزين أن أخاطب الأخ كمال عمر بهذا العنوان الصارخ بعد أن منّ الله عليه بالشفاء، وبعد أن انتهت حالة الخصام الذي عكر علاقتنا في فترة سابقة عقب انسحابنا من الحوار الوطني جراء مواقف اعتبرناها في ذلك الوقت غير أخلاقية اقترفها حزب المؤتمر الشعبي في حق من تحالفوا معه فركلهم مستبدلاً إياهم بمن لا يستحقون فقد، والله صدمت من مانشيت في صحيفة الوطن بالخط الأحمر العريض يقول: (كمال عمر : بدرية سليمان ستخرب البلد)! .. تخيلوا .. بدرية تخرب البلد ! وجاء ذلك المانشيت الأحمر بعد سيل من التصريحات ملأ بها كمال عمر الصحف اللاهثة دوما الباحثة آناء الليل وأطراف النهار عن المثير الخطير ..أقول ملأ كمال الصحف التي أخذت (تردح) قدحاً وذماً في بدرية التي لا أكتب هذا المقال انتصاراً لها فحسب إنما إحقاقاً للحق ودفاعاً عن مظلوم لم يتق كمال عمر الله فيه وهو يستخدم كل أسلحة الدمار الشامل في النيل منه بالباطل الذي يعلم يقينا أنه باطل.
أكثر ما حفزني للانتصار للحقيقة أنني شهدت الواقعة التي ملأ كمال الدنيا وشغل بها الناس فقد كنت حاضراً ومشاركاً في الاجتماع الذي دعت له الدكتورة بدرية والذي ضم أعضاء اللجنة العليا لمتابعة إنفاذ مخرجات الحوار مع أعضاء اللجنة البرلمانية الطارئة بشأن التعديلات الدستورية والذي استدعى كل تلك الثورة (الكمالية) العارمة.
كل الذي حدث أن الاجتماع تداول حول التعديلات التي دفع بها السيد رئيس الجمهورية للجنة البرلمانية الطارئة وكان النقاش حراً أدلى الجميع فيه بدلائهم وناقشوا مشروع التعديلات المنبثقة عن مخرجات الحوار .
انصبت معظم المداخلات حول العبارات التي استخدمت في التعديلات والتي غلبت عليها لغة دكتور الترابي رحمه الله مثل عبارة (الطلاقة) البديلة للحرية وعبارة (المتهوم) بدلاً من المتهم وكلمة (شبهة) بدلاً من تهمة، وغير ذلك من الكلمات والتعابير علاوة على بعض الغموض والتعقيد الذي بدا في اللغة القانونية المستخدمة من الشيخ الترابي وبالرغم من أن تاج الدين نيام رئيس وثيقة الحريات في الحوار الوطني تمترس في البداية خلف الإبقاء على النصوص التي جاءت في المخرجات بدون أي تغيير إلا أنه اقتنع أخيراً بضرورة تعديل بعض النصوص مثل كلمة (الطلاقة) وغيرها.
أبلغ وأقوى حجة رجحت تعديل بعض العبارات أن القوانين السارية جميعها استخدمت عبارات تختلف عن التعابير التي أخذ بها الترابي في التعديلات الدستورية ولا يعقل أن تعدل كل القوانين بحيث تستبدل نصوصها بما يتسق مع العبارات الجديدة الواردة في الدستور واتفق الجميع على أن المهم أن لا يحدث أي تعديل في المعاني التي أريدت في المخرجات.
لم يشذ عن الإجماع إلا كمال عمر الذي كان مصراً على عدم إجراء أي تعديلات معتبراً نصوص مخرجات الحوار مقدسة وبالرغم من أنّي أقدر مشاعر كمال نحو شيخه وشيخنا جميعاً إلا أن الحق أحق أن يتبع .
بعد حوالي ساعة من بدء التداول خرج كمال عمر من القاعة مغاضباً جراء اعتراضه على إحدى النقاط فتبعه الأخ تاج الدين نيام الذي كان جالساً في طرف القاعة وأرجعه إلى الاجتماع ولم يستغرق انسحابه أكثر من خمس دقائق تقريباً.. كانت تلك اللقطة بمثابة الصيد الثمين والكنز الغالي الذي كان الصحافيون المنتظرون خارج القاعة يبحثون عنه “مانشيتاً” لبيع صحفهم.
ما أن انتهى الاجتماع حتى أنكب الصحافيون وتحلقوا حول (البطل) كمال الذي(ما قصر) فأرغى وأزبد قدحاً واتهاماً لبدرية ثم لاحقته الصحف بعد ذلك لتستزيد فملأها هتراً ولكماً لبدرية المسكينة التي يعلم كمال علم اليقين أنها لا تملك أن تفرض على الرئيس ولا على البرلمان ولا على اللجنة العليا لمتابعة إنفاذ المخرجات شيئاً لكن كمال (عينو في الفيل يطعن في ضلو) ولو كان هناك من يغيّر فإنه الرئيس صاحب السلطة الفعلية الذي لا يستطيع كمال أن يمسه بكلمة ولكن هل غيّر الرئيس أو بدرية شيئاً؟
الحق أقول إن المخرجات والتعديلات ظلت كما هي دون تعديل يذكر وأرجو ألا أكون قد أخطأت ناسياً أو جاهلاً .
أود أن استعرض بعض العبارات غير الموفقة بل والظالمة التي جاءت على لسان كمال عمر في بعض الحوارات الصحافية فقد اتهمها بالتزوير وقال كذلك لجريدة الوطن:(الحاصل أن بدرية ومن شايعها شغالين ضد رئيس الجمهورية وضد الاستقرار في الوطن) وقال في حوار صحيفة التيار رداً على قول بدرية إن الاجتماع استمر بعد خروج كمال ..قال :(كاذبة ..بدرية تكذب لأن عشرات الناس خرجوا من بعدي وحدث شلل فكري في مفاهيم بدرية التي استدعتنا لكي نبصم ونحن بصمناها على حجية مخرجات الحوار ولقناها درساً لن تنساه أبداً).
أشهد بأن الاجتماع استمر بعد خروج كمال ولم يخرج معه أحد بل هو نفسه رجع للاجتماع ولم يلقن بدرية درساً فقد خرج الاجتماع بالتوافق الإجماعي. وقال كمال لنفس الصحيفة إن (بدرية تعمل ضد توجهات الرئيس وهي تستهدف رئيس الجمهورية بكل جرأة) وقال كمال مهاجماً من قرروا تعديل كلمات مثل (الطلاقة) قال :(هؤلاء ليست لديهم دراية باللغة).
نظراً لضيق المساحة اكتفي بهذا القدر طالبا من كمال أن يتقي الله ويتذكر أنه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وأن الظلم ظلمات يوم القيامة بل ظلمات حتى في هذه الدنيا لمن يتمادى ويتطاول، وأشهد أن بدرية كانت في منتهى الأدب ولم تقابل هتره وتجاوزاته إلا بالصبر والاحتساب.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة