* مناشدة هامة جداً وصلتني من أحد نزلاء سجن الهدى بأمدرمان طالب خلالها بإعادة النظر في قانون الاجراءات المدنية ومادة التنفيذ على المال، أو ما تعرف بـ(يبقى لحين السداد).
* وذلك بناءاً على زيارة لسجن الهدى من قبل الخبير المستقيل لحقوق الإنسان أمس الأول الثلاثاء، سبقتها مطالبة غريبة من إدارة السجن بطلب غريب تم تقديمه للنزلاء بجمع تبرعات لعمل (صب المساطب والبوهيات) حتى يكون منظر السجن مقبولاً، ورغم غرابة الطلب وعدم قبوله مبدءاً، الا أن النزلاء قاموا بالواجب وتبرعوا من حر مالهم والذي هم أحوج ما يكونون له.
* الأمر لم يتوقف عند هذا الأمر، بل تجاوزه بحسب عدد من النزلاء إلى معاقبة النزيل الذي تم اختياره عشوائياً من قبل الخبير الزائر بالتحدث إنابة عن النزلاء، وبعد أن تحدث بصراحة وشفافية عن أوضاعهم، جاءت التوصية بنقله من قسم الشيكات الى قسم آخر مختص بمتهمي جرائم السكر والنشل ما جعل وضعه في غاية السوء.
* النزلاء بقسم الشيكات وغيرها من القضايا المالية المشابهة طالبوا قيادة الدولة بإعادة النظر في القانون بعد أن استفحلت مشاكلهم وتحولت من مشكلة شخص واحد الى مشكلة مجتمع، بعد أن تشرد من تشرد من أبناء وبنات السجناء، وتشتت أسرهم بفقدانها لعائلها وتراكمت عليهم الديون من ايجارات ومعيشة وعلاج، ومنهم من ترك أبناؤه الدراسة، ومنهم من توفى بسبب الجوع والمرض، ومنهم من أصبح من مرتادي السجون هو الآخر، ومنهن من أمتهنت الدعارة وغيرها من المهن التي تسبب فيها بقاء عائلهم حبيس السجون، وغيرها من المآسي التي طالت هذه الشريحة والتي كتب لها القانون أن تبقى لحين السداد وبالعدم لحين الممات.
* في كل دول العالم هناك جهات تنظر لمثل هذه الحالات وتتعامل معها وفقاً لحاجتها وحجم المبلغ المطلوب، وتقوم بالدفع نيابه عنها جهات وأحياناً أفراد أو يصدر عفو عام من الدولة.
* ولكن هنا في السودان، فلا مسؤول يسأل ولا يتابع ولا تقارير شفافة ترفع من قبل إدارات السجون لمعالجة هذه الحالات وما يترتب عليها من مآلات تؤدي الى إشكالات مضاعفة بالمجتمع يصعب تلافيها مع الوقت، وليس هناك أصعب من فقدان أسرة لعائلها الوحيد، خاصة إذا كان بها أطفال صغار أو في عمر المراهقة.
* المؤسف بحسب حديث النزلاء إن الذي أوصى بنقل المتحدث باسم النزلاء هو المدير العام للسجون، ونتمنى ألا يكون الحديث صحيحاً، إذ أنه أمر المترجم ألا يوصل ما قاله النزيل عن سوء أوضاعهم للخبير المستقل، ما يشير إلى وجود لوبيهات داخل هذه السجون من قبل المسؤولين والقائمين على أمرها، تحظر إيصال صوتهم لخارج أسوار السجون، وما يواجهونه من بؤس وقهر بداخلها.
* سجن الهدى وغيره من السجون يحتاج لزيارات مفاجئة من قبل وزير الرعاية الإجتماعية ووزير الداخلية، للوقوف على حال هذه السجون التي يتحدث خارجها عن ما بداخلها.
* وكون أن السجين معاقب بجريمة ارتكبها أدت لبقاءه داخل السجن، لا يعني هذا أن تتضاعف عليه العقوبة بالإقامة التعيسة من فرش وأكل وشرب يبعث على المرض، وعدم وجود خدمات أساسية تعين النزيل على الحياة ولو بأبسط صورها لحين خروجه مرة أخرى للمجتمع.
* السجون ليست بروفة لجهنم، بل هي مأوى يفترض أن يكون إنساني بالمقام الأول، تتوفر فيه أساسيات الحياة وليس الرفاهية بالتأكيد، ولكن المفهوم هنا يختلف، والكل يريد أن يمارس سلطاته الممنوحة له وفقاً لعقليته وتربيته وحقده على المجتمع.
بلاحدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة