أثارت المادة (38) الخاصة بحرية الاعتقاد والعبادة، وجرى تضمينها في ملحق التعديلات الدستورية، جدلاً كبيراً في أروقة البرلمان، امتد صداه إلى خارج القبة، وتحديداً لدى هيئة علماء السودان، ومجمع الفقه الإسلامي.
وتنص المادة مثار الجدل على أن “لكل إنسان الحرية في اختيار رؤى يتخذها عقيدة دينية أو رؤية مذهبية وله أن يمارس أيما شعائر دينية أو احتفالات تذكر بها ويتخذ مواقع لعبادته ولا يكره أحد على دين عيني أو مذهب معين ولا يحظر عليه الحوار والجدال فيما هو حق حسب إيمانه ورأيه”. وهو نص يراه المؤتمر الشعبي بأنه معبر عن روح الإسلام الحقيقية، ومسنود بآيات ونصوص، فيما تراه الهيئة والمجمع، بأنه مدخل للكفر والردة.
(الصيحة) وضعت هيئة علماء السودان ممثلة في رئيسها محمد عثمان صالح في مواجهة مع القيادية بالشعبي د. سهير أحمد صلاح حول مقترح عقيدة أو دين الرؤى الذي خطه يراع الترابي، وخرجت بالحصيلة التالية.
رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح لـ (الصيحة):
التعديلات الدستورية (ما راكبة عدلها) وتبيح الكفر والخروج عن الإسلام
البرلمان لن يجيز ملحق التعديلات لأن فيه نواباً عقلاء
المادة محل الجدل لم ترد في توصيات الحوار الوطني
ــ هيئة علماء السودان ومجمع الفقه ذكرا أن التعديلات الدستورية الأخيرة تبيح الكفر وتسمح بالخروج من الإسلام؟
نعم قلنا ذلك، والنص الوارد في التعديلات الدستورية يقول إن أي مجموعة لها رؤى تتخذها ديناً، وهذا يعني أن مجموعة ضد الدين، يكون لها حرية العبادة، وإقامة معابد وكنائس. ولذلك فإن تلكم المادة لم تحافظ على حرية الأديان بالطريقة التي قالها الله تعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ).
ــ أين الخلاف الأساسي في هذه الجزئية؟
الخلاف في إباحة كل رؤى، سواء كانت إلحادية أو خلافه. وهذا نص حمّال أوجه، يمكن أن يستغل استغلالاً سيئاً.
ــ ولكن الله تعالى يقول: (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وهذا أقرب للجزئية التي تبيح الرؤى؟
صحيح، ولكن المسلم إذا دخل الإسلام لا يصح له الخروج عنه، فتلك خيانة عظمى، والدول تشرع قانون الخيانة العظمى لمن يخرج عن عقد الدولة المعينة، وتلك مادة موجودة في كل دساتير العالم، ونحن في الدين الإسلامي عندنا ما يمنع خروج الفرد من الإسلام.
ــ كذلك يقول الحق عز وجل في محكم تنزيله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)، وهي آية يُستدل بها على حرية الاعتقاد؟
من تاب ورجع تاب الله عليه.
ــ إِذاً، الخروج من الدين واعتناق ديانة أخرى حرية فردية.. أليس كذلك؟
يجب عدم المجاهرة بالكفر، وحتى المنافقين لم يحكم عليهم بالإعدام. والرسول صلى الله عليه وسلم رفض قتل عبد الله بن أبي بن سلول، وقال (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) وتعتبر المجاهرة بالكفر (مشكلة).
ــ هل تخشون أن يكون نص الرؤى مدخلاً لخروج البعض من الإسلام؟
رأينا في هيئة علماء والسودان، كما رأي مجمع الفقه، وكذلك أنصار السنة، أن مادة بهذه الكيفية تبيح الخروج عن الإسلام.
ــ هل تتوقع إجازة هذه المواد من البرلمان؟
لا، لن يجيزها إن شاء الله.
ــ وما هو مصدر كل هذه الثقة؟
لأن النواب عقلاء.
ــ ذات المادة أجيزت من قبل المنخرطين في الحوار الوطني؟
هذه المادة لم ترد ضمن توصيات الحوار الوطني.
ــ إِذاً من أين أتت هذه المادة؟
أتت إلى البرلمان من قبل رئاسة الجمهورية.
ــ هل تنفي بصورة قاطعة أن التعديلات الأخيرة ما كانت ضمن توصيات الحوار؟
نعم، لم تأت ضمن توصيات الحوار على الإطلاق، وحسب ما قاله أعضاء اللجنة البرلمانية المكلفة بالنظر في التوصيات الأخيرة، إن المواد الأخيرة لم تُجز من قبل المتحاورين.
ــ لكنها جزء من التعديلات الدستورية التي أقرها المتحاورون؟
أعضاء اللجنة قالوا أجازوا جزءاً من هذه التعديلات في توصيات الحوار، ولكن النقطة التي تتعلق بـ (دين الرؤى) لم تأت في توصيات الحوار طبقاً لقولهم.
ــ ورقة الحريات التي أثارت هذا الجدل كتبها الراحل الترابي أيام الحوار الوطني وقبيل رحيله؟
لا أريد التعرض للشيخ حسن الترابي، ولكن (بصراحة الكلام الجانا دا ما راكب عدلوا).
ــ دستور السودان للعام 2005م ينص على حرية الاعتقاد وهي جزئية مقاربة لما ورد عن دين الرؤى؟
دستور 2005م كان معيباً، ولكن ألفاظه كانت واضحة.
ــ رغم أنه معيب ولكن تمت إجازته؟
نحن لم نجزه، ولكنه أتى في ظروف مختلفة واضطرارية، وهو دستور معيب ونسعى لتعديله الآن.
ــ بمعنى الدستور القادم سيكون مختلفاً عن الدساتير الماضية؟
سيكون مبرأ من كل عيب إن شاء الله.
ــ هيئة علماء السودان ومجمع الفقه تعرضا لهجوم لاذع الأيام الماضية فكيف تنظر لهذا الهجوم؟
نحن مهمتنا البيان فقط ولن نرد على الإساءات مطلقاً.
القيادية بالمؤتمر الشعبي د. سهير أحمد صلاح لـ (الصيحة):
ملحق التعديلات الدستورية يعبر عن الإسلام الحقيقي
البرلمان سيجيز التعديلات لأن جزءاً من الشعب عارف بروح الدين الحقيقية
ــ مجمع الفقه الإسلامي، وهيئة علماء السودان، حذرا من التعديلات الدستورية الأخيرة باعتبارها تبيح الكفر والخروج عن الإسلام؟
التعديلات الدستورية الأخيرة إنما تبيح الإسلام الحقيقي الذي يقول (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ).
ــ هنالك خشية من أن يُفسر قوله تعالى (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ليكون سبباً في ردة البعض؟
من قال ذلك هو الله سبحانه وتعالى، والإسلام لا يريد منافقين بل يريد مسلماً حقاً، والإيمان هو بين الفرد والرب، ولا يوجد طرف ثالث في مسألة الإيمان. ويقول ربنا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)، بالتالي لا توجد آية تجبر الإنسان على الإيمان بأي دين.
ــ كيف تنظرين لتدخل مجلس الفقه وهيئة علماء السودان في مسألة التعديلات الدستورية؟
هذه التعديلات أجيزت من قبل المتحاورين، والذين أجازوا هذه الوثيقة مؤمنون ومسلمون يطالبون بالشريعة الإسلامية، وإقامة الدين الحق في الأرض. ولا يمكن أن تأتي جهة ثانية وتدعي أنهم أحرص من الآخرين على إقامة الدين، ومثل هذه المزايدة غير مقبولة.
ــ بالتحديد لماذا يتم التدقيق في مسألة حرية الرؤى التي وردت ضمن التوصيات دون التعديلات الأخيرة؟
الدين ليس معزولاً عن الحياة، وهو روح الحياة كلها، ومقاصد الحياة كلها مرتبطة بالدين، وحينما كنا نناقش هذه القضايا كنا نراعي كل تفاصيل القضايا المتعلقة بالاقتصاد وحرية الاعتقاد وحرية العمل وغيرها من الحريات الأخرى، وكل هذه المسائل لا تنفصل عن الدين، والدين لا يتجزأ، وهو دين توحيد، يقول تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ــ نريد مزيداً من الإيضاحات؟
كل تفاصيل حياة الإنسان مربوطة بمقاصد الدين، وإن لم تكن مربوطة بمقاصد الدين ستكون حياة بدون نتيجة وبلا معنى. ونحن راعينا تفاصيل الدين في كل الذي كتب، وتم تدوينه، وتضمينه في وثيقة الحريات، وكل مرحلة تطور فيها الفقه والفكر مضمنة في ورقتنا الأخيرة.
ــ لكن الحديث عن (دين الرؤى) غير موجود في أي دستور من دساتير السودان؟
ميثاق السودان 1986م الصادر من الجبهة الإسلامية، وكذلك دستور 1998م، وحتى دستور 2005م، كلها هذه الأشياء موجودة به، ومبنية على روح الدين، ومبنية على توحيد الله سبحانه وتعالى في حياة الناس.
ــ بعضهم يرى أن الأمر نوع من الاجتهادات الفكرية؟
لو عاد الناس لوثائق الحركة الإسلامية في تقلباتها المختلفة على مر الزمان، سيجدون التطور الفكري الذي حدث. بالتالي لا يمكن تجزئة الناس لرجال دين ورجال حياة، والحياة كلها لله تعالى، ومن يفكر في يوم الحساب يجب أن يفكر في الدين، وعلم الدين يشمل كل مقاصد الحياة، مثل الاقتصاد والسياسة، وعدم استصحاب هذه العلوم في مقاصد الدين يجعلها مبتورة.
ــ أتتوقعين أن تتم إجازة التعديلات مثار الجدل من قبل البرلمان؟
أتوقع إجازتها رغم الحملة التي قوبلت بها.
ــ ما منبع هذه الثقة؟
لأن البرلمان به جزء من الشعب السوداني الذي يعلم روح الدين الحقيقية ومقاصد الدين الحقيقية.
أجرى المواجهة: عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة