قبل نحو عامين فجعت البلاد بالضبطية التي قامت بها سلطة الجمارك بالميناء الجنوبي ببورسودان، أثر توقيف شحنة حاويات تضم بداخلها أكثر من 2طن ونصف من حبوب الكبتاجون المخدرة مخبأة بين شحنة أعلاف.
تم توقيف أحد عشر متهماً من بينهم أجانب من جنسيات عربية، غير أن غالبيتهم تم إطلاق سراحهم لعدم كفاية بينات الاتهام في مواجهتهم.
بعد إبادة المعروضات أوصد ملف القضية تحت بند المتهم المجهول.
لم تفيق البلاد من فجيعتها تلك حتى توالت ضبطيات حاوية مخدرات للمرة الثالثة والرابعة، دون الوصول الى الجناة الحقيقيين. ورغم تعهدات المسؤولين المختصين بأن البلاد ليست معنية بتلك الشحنات وأنها تعد بمثابة معبر فقط الى الجهات المرسلة إليها، إلا أن تعهدات المختصين تفرز عدة استفهامات مفادها: هل هذه الحاويات يقف خلفها نافذون؟ لجهة الكميات الكبيرة التي يصعب على المواطن العادي أن يجازف بماله وروحه من أجلها.. إن لم يكن من أهل الحظوة المسنودين بالحماية من المؤسسات العميقة بالدولة، فكيف به يستورد مثل هذه؟
جهات مختصة:
عضو المكتب السياسي بالوطني د.ربيع عبد العاطي سعى الى رفض الاتهام كمبرر لتجريم من يطلق عليهم نافذين بالحكومة، أو التلويح بأن هناك من يقف خلف كواليس الحاويات التي تم توقيفها من قبل الجمارك بميناء بور سودان.
يقول عبد العاطي أنه ليس من الحكمة أن يسعى مسؤول الى إقحام نفسه بالتوريط في مثل هذه القضايا الهادمة للأمن القومي والاجتماعي في آن واحد، مشيراً الى يقظة الجهات المختصة من شرطتي الجمارك ومكافحة المخدرات في الاستبسال والتصدي بجسارة الى محاولات العابثين باختراق الأمن الاجتماعي للبلاد عبر هذه المخدرات. واعتبر عبد العاطي الكشف عن هوية الحاويات من اختصاص الجمارك والأجهزة الأخرى ذات الصلة.
*يقظة الجمارك:
من جهته أوضح المدير الأسبق لشرطة الجمارك الفريق شرطة صلاح أحمد الشيخ، أن معظم حاويات المخدرات التي تم توقيفها بميناء بورسودان في الفترة الماضية تم استجلابها من قبل دول (الهلال الخصيب)، التي تشمل دول سوريا ولبنان، ويريد مرسليها إدخالها عبر السودان الى جهات معلومة.
وتابع بأن يقظة الجمارك السودانية تجعل وجهتها تنتهي بالإبادة وتوقيف المشتبه بهم، مشيراً الى أن كل هذه الضبطيات تصنف من نوعين من المخدرات هما (الكبتاجون) و(الترامادول) اللذان يستخدمان في علاج الحالات العصبية والنفسية عبر روشتة طبية معتمدة، منبهاً الى الأساليب المستخدمة من قبل الجناة باستغلالهم الى شحنات كراتين الفاكهة الطازجة، كتغطية لأجل التمويه بعد تخبئة شحنات المخدرات بداخلها.
ونوه الى أن حجم الكميات المضبوطة يجعل من الاستحالة على السوق السوداني أن يستوعبها، ما يرجح بأن وجهتها الحقيقية إحدى دول الجوار.
وأشار الشيخ في حديثه لـ(آخر لحظة) الى أن امتداد ساحل البحر الأحمر لأكثر من الألف كيلومتر على حدود البلاد الشرقية من شأنه أن يصعِّب مهمة السلطات المختصة في توقيف تهريب المخدرات الى داخل البلاد، إن لم تجد التعاون من قبل الجارة البحرية المملكة العربية عبر آلياتها البحرية الحديثة، في تمشيط كافة المراسي بالساحل للحد من الظاهرة التي باتت تهدد كافة سواحل البحر الأحمر. وكشف في ذات الصعيد عن إفلات أغلب الجناة الذين يتم توقيفهم على ذمة الحاويات المضبوطة لجهة المرونة التي يتصف بها القانون الجنائي للإثبات والمطاطية التي تميزه في وجوب توفر الثمانية بنود الإجرامية، التي يتضمنها لإثبات الجرم في مواجهة الموقوفين.
وطالب المشرع بمراجعة هذا القانون حتى تتوافق مع عظمة الجرم لأجل فك سراح يد العدالة لتمتد الى كل المجرمين، وتابع بأن الفاكهة التي توقف بحوزة المخدرات يتم بيعها وفقاً لقانون سلطة الجمارك، بينما توريد عائداتها الى خزينة الدولة، بعد إبادة المخدرات بواسطة أمر قضائي من قبل لجنة فنية ممثلة لكل الجهات ذات الصلة.
*بوليصة الشحن
الخبير القانوني عزيز صالح عزيز أشار الى وقوع جهات الاختصاص في أخطاء تسمية ضبطيات الحاويات المكتشفة عبر الوسائل الإعلامية دون وضع أياديها الى الجهات المرسلة إليها، ما يجعل البلاغ يدون تحت المجهول، لافتاً الى أن حالة إثبات الحيازة تتم وفق قرائن البلاغ (15)أ من قانون المؤثرات العقلية لسنة 1991 عبر منطوقه بإثبات الجرم بالحيازة،. وقال عزير أن عدم اتباع هذه المسالك القانونية في الكشف عن هوية الضبطيات قبل هوية الجناة، يصعب من مهمة الأجهزة النظامية المختصة في العثور على المجرمين الحقيقيين، مفصحاً بأن العقوبات الرادعة للضبطيات والتي تصل من السجن المؤبد الى الإعدام بالنسبة الى مرتكبها من الموظف العام، ما يجعل هذا التشدد في العقوبة بجانب عدم تسمية الجناة الحقيقيين العديد من قضايا حاويات المخدرات، تنتهي في أضابير المتهم المجهول. وشدد أن العنت والمشقة القانونية التي تحول بين السلطات في ملاحقة المتورطين في دول المنبع لمثل هذه الحاويات، لم تكن بينها والسودان اتفاقيات في تسليم المجرمين من شأنه أن يجعل السلطات تقيد الضبطيات ضد المجهول، ومن ثم تمضي الى إبادة المعروضات وإغلاق ملف القضية حتى إذا توصلت هذه السلطات الى خيوط المتهمين من خلال فك طلاسم بوليصة الشحن.
صحيفة آخر لحظة