قال بحاجة البلاد لمشروع فكري جديد يستوعب المتغيرات.. قوش.. دعوات لحياكة ثوب (إنقاذي) جديد

ركيزة أساسية
المعلوم بالضرورة، أن (الإنقاذ)، وصلت إلى الحكم بالاستناد على مشروع إسلامي تنهض قوائمه على تطبيق شرع الله في الحكم والعباد، وفي هذا الفلك دارت الحكومات المتعاقبة منذ ليلة الثلاثين من يونيو 1989م وحتى يوم الناس هذا.

وعلى مدى سنوات خلت طبقت الخرطوم (المشروع الحضاري)، غير هيابة لتصانيف الغرب، جر عليها ذلك حرباً ضروساً من المجتمع الدولي، وبخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أوقعت بالسودان عقوبات أحادية وحظراً اقتصادياً نتيجة شعارات وممارسات الحكومة في حقبة التسعينيات.

وطوال هذه الفترة ظلت الحكومة صامدة متمسكة بمشروعها الذي جرّ عليها الوبال من المحيط الخارجي، رغم بروز بعض الأصوات الداعية لمراجعة المشروع وتعديله ليوائم المعطيات الدولية، ولكنها على أي حال ظلت أصواتاً خجولة، وتقال بشكل خافت.

دعوة سابقة
في شأن التغيير المطلوب وجوباً على الوطني، تأسيساً على المعطيات عاليه، يمكن اجترار الدعوة التي سبق وأن قال بها الرئيس عمر البشير، حين دعا إلى تكوين حزب جامع، يضم بالإضافة إلى الوطني أحزاب الأمة والاتحادي، وهي دعوة إن تحققت فليست بمستغربة في شيء، ذلك بالنظر إلى تقارب مرجعيات ومناهج التفكير.

وقبل أقل من أسبوع وفي معرض مقابلة بثتها قناة “سودانية 24″مع رئيس حركة الإصلاح الآن، الدكتور غازي صلاح الدين قال إنه لا يرى فرقاً بين التيار الإسلامي وطائفتي الختمية والأنصار، وغازي ليس غريبًا علي الوطني، وأفنى شبابه في الحركة الإسلامية، قبل أن يخرج من حزبها الحاكم مغاضباً إثر احتجاجات دفع بها خريف العام “2013”م، مع مجموعة ممن اصطلح على تسميتهم بالإصلاحيين، ولما لم تجد دعواتهم الإصلاحية آذاناً صاغية، فارق الوطني مكونًا حركة الإصلاح الآن.

مشروع فكري جديد
لعل ما حرك سكون هذه البركة، هو الدعوة التي جهر بها مدير جهاز الأمن السابق والقيادي بالمؤتمر الوطني الفريق أول صلاح عبد الله قوش، فالرجل ذو الخبرات الأمنية العريضة قال وسط حشد من أنصاره في دائرته الانتخابية (الدائرة “5” مروي) إن الحكومة مدعوة لاستنباط مشروع فكري جديد بالسودان، مبرراً قوله بضرورة أن يكون المشروع قادراً على استيعاب المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، وقال قوش الذي خاطب مجموعة من مواطني منطقة مقاشي بمحلية مروي بالولاية الشمالية يوم (السبت) إن قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان لم يأت نتيجة لتراكمات تاريخية ولكنه جاء نتاجاً للمتغيرات التي تعم الساحة الدولية، مؤكداً وجود فرصة تتطلب عدم التفريط فيها لصالح السودان. مبيناً أن المرحلة الحالية تحتاج إلى تخطيط سليم ومعرفة ودراية لرسم كيفية التعامل معها، قبل أن يدفع بتساؤلات تضمنت السؤال عن الفكرة التي سوف يستند عليها المشروع القادم مقارنة مع مجمل المتطلبات الموضوعة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن البلاد تقف الآن على مفترق طرق، وقال: هل الشعارات القديمة لا تزال صالحة لاستخدامها في الوقت الراهن أم عفا عنها الزمن. واستطرد قوش “من المؤكد الإجابة لا”، مبيناً أن المتطلبات القادمة تحتاج إلى توفير مشروع جديد للتعامل المفتوح مع العالم لتحديد الخيارات التي يبنى عليها التعامل في المستقبل.

صعوبة التغيير
بداهة يبدو من العسير تصور أن الحكومة عازمة بالفعل على تغيير جلدها، ذلك عطفاً على ما يجري على ألسنة العديد من قادتها ومسؤوليها، بأن الإنقاذ ستظل وفية لمبادئها التي قامت من أجلها، مستمسكة بمشروعها السياسي، وفي هذه الجزئية يمكن اجترار قول أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني، عمار باشري الذي كان يتحدث بندوة قبل نحو شهر وقال فيما قال “إن الإنقاذ لن تغير شيئًا من مبادئها وأفكارها، قاطعًا بأن توجهات الوطني ومبادئه لن تشوبها شائبة من تغيير مهما حدث”، لكن الراجح أن ثمة تغيير ولو نسبياً قد جرى فعلياً على الأرض، وانزوت شعارات توعد الأمريكان بدنو العذاب إلى ركن قصي، ولم تعد الحكومة تستخدمها كثيراً في خطابها السياسي، وهي شعارات شهدت أزمان سابقة جريانها بكثرة على ألسنة مسؤولي وقادة الحكومة، بل تشير الوقائع إلى حدوث تقارب مع واشنطون وكانت محصلة هذا التقارب، رفعًا جزئياً للحظر والعقوبات الاقتصادية، في انتظار رفعها كلياً بحلول يوليو المقبل، وذلك أمر دونه تنفيذ اشتراطات متعلقة بالحريات وحقوق الإنسان وملف المساعدات الإنسانية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير، علاوة على إيقاف الحرب بدارفور والمنطقتين، “النيل الأزرق وجنوب كردفان”.

سابق لأوانه
يقطع القيادي بالوطني، ونائب أمانته العدلية، الفاضل حاج سليمان، بأن تغيير مشروع الحكومة أمر سابق لأوانه، مشيراً إلى أن الأمر لم يجر فيه حتى النقاش، وقال لـ (الصيحة) إنه من الممكن أن يتم التعامل مع المتغيرات الدولية بذات المشروع.

وطبقاً للفاضل فإنه لا يرى في المشروع الإسلامي الذي تستند عليه الحكومة مانعاً من التواصل والتعاون مع المحيط الدولي، وبالتالي فإن محصلة قول الرجل أن مشروع الوطني السياسي ما يزال مستمراً كما هو دون تغيير على الأقل راهناً، ولم يزد.

المشروع المرن
ويرى المحلل السياسي، وأستاذ أصول الفكر السياسي بجامعة الجزيرة، الدكتور أحمد كودي، أن الفعل السياسي في أبسط تعريف له يقول بأن اعتماد مشروع سياسي معين والانكباب عليه جامداً بلا تغيير غير مطلوب في السياسة الدولية، مشيرا إلى أن المشروع السياسي لأي دولة يمكن أن يكون ثابتاً، شريطة أن يتحلى بالمرونة، والقابلية للتعامل مع المتغيرات الدولية، وقال لـ (الصيحة)، إن الحكومة الأمريكية الجديدة تنتظر من الخرطوم إحداث اختراق جدي للنقاط الخمس المذكورة كشروط لازمة لرفع العقوبات كلياً، لافتاً إلى أن السانحة تبدو مناسبة للحكومة لتقديم نفسها للمجتمع الدولي بشكل أفضل من السابق، وفي ذات الوقت بدا مستبعداً لأن يتخلى الوطني عن مشروعه السياسي الذي قام عليه، واصفا الأمر بالصعب الحدوث، غير أنه عاد ليقول إن ثمة انفراجاً سيحدث وتخفيفاً من شعارات المشروع القديم.

احتمالات مفتوحة
ومهما يكن من أمر، فليس من المستبعد في شيء، أن تشهد سياسات الوطني في مقبل المواعيد تغييراً، حتى وإن لم يتغير المشروع السياسي الذي قام بموجبه النظام السياسي للوطني، فاحتمالات رفعه لذات الشعارات التي ظل يرفعها منذ بداية حكمه تظل ضئيلة للحد البعيد، في وقت تبدو فيه الاحتمالات مفتوحة وإن بشكل أقل بخصوص مدى استصحاب مشروع جديد، بمرجعيات جديدة، والثابت أن موجبات ومعطيات هذا التحول متوافرة بالحزب الحاكم، على شاكلة تنائي الخطى عما تسميه واشنطن “محور الشر” وخاصة إيران، والاتجاه بخطى متسارعة نحو مزيد من التقارب مع “محور الخليج” الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة

Exit mobile version