حدثت هذه القصة في زمان ممعن في القدم، كانت هنالك جماعة من الرعاة أجدبت أرضهم فأخذوا يهيمون في الصحاري بحثاً عن الماء والكلأ والعشب حتى وجدوا بئراً فقاموا بمعالجتها حتى خرج الماء من جوانبها فاستقروا حولها، فشربت ماشيتهم وأكلت وترعرعت ثم هم بعد أن إزدهرت حياتهم وإزدادت أعداد قطعانهم ومزارعهم احتاجوا الى حارس يقوم برعاية البئر وتقسيم المياه فما لبثوا أن إختاروه من بينهم، شاب موفور الصحة قوي البنية ذو ذكاء حاد، فكان يقوم برعاية البئر، بينما هم مشغولون بفلاحة الأرض وزراعتها.
في بداية الأمر كان الشاب يعمل في حماس لكنه بعد حين شعر بالغبن حيث أنه لا يملك إلا الأجر الذي تعطيه له القبيلة بينما أفراد القبيلة يمتلكون الأرض والبساتين والأنعام، مع أنه يقوم على رعاية البئر التي جاء كل ذلك الخير منها.
وبينما هو في تلك الحالة يفكر في طريقة لإصلاح حاله البائس جاءته الفرصة إذ وفد على القبيلة جماعة من الأغراب يبحثون عن الماء فأذنت لهم القبيلة بشرط أن يعملوا لديها في خدمة الحقول والبساتين، فجاء بعضهم الى الحارس يعاونه في رعاية البئر، ويوماً بعد يوم استطاع الحارس أن يجذب الى صفه أولئك الغرباء وأن يجندهم لخدمة (مشروعه) الذي يفكر فيه وهو بذر الفتنة بين أفراد القبيلة، فكان أن بدأ التنازع بينهم حول نصيب كل فرد في ماء البئر، فكان الشقاق بين أبناء قبيلته، وبدأ هو بالصيد في الماء العكر حيث أصبح يوفر الماء لمن يدفع أكثر وأصبح الجميع يحاولون إرضائه بالرشوة حتى زادت ثروته وتكدست أمواله وبدأ أهل القبيلة يخافون سطوته ونفوذه لا سيما وقد أحاط نفسه بعدد من المقاتلين الغرباء.
أصبح (صاحبنا) هو المتحكم الوحيد في البئر لكن أهل القبيلة لم يعجبهم ذلك فقاموا في إحدى الليالي بعقد اجتماع سري من أجل إيجاد طريقة لإزاحة ذلك الحارس وتعيين آخر مكانه يكون خادماً للقبيلة وليس متحكماً فيها، وفي صباح اليوم التالي وجدت القبيلة جثث الزعماء الذين عقدوا الاجتماع مشنوقة في أعالي الأشجار فدب الرعب والذعر في قلوبهم وانصرفوا الى أعمالهم في استكانة وذل، وتحول (الحارس السابق) الى حاكم دكتاتور جبار مستبد تسنده بطانته من الغرباء الذين صاروا قلة (منتفعة) متسلطة متحكمة.
تحول مواطنو القبيلة الى رعايا يسلبهم الحاكم وبطانته (عرقهم وشقاهم) فارضاً عليهم ما شاء من المكوس والأتاوات (والجبايات) دون أن يجرؤ أحدهم أن يقول (بغم).
تكاثرت الأموال في خزائن الحاكم فقرر أن يبني له قصراً منيفاً لم يسمع به أحد من قبل فقام بتسخير المواطنين من أفراد القبيلة في بناء وتشييد ذلك القصر، الذي أصبح آية في الجمال وتحفة في المعمار.
انصرف الحاكم وحاشيته للتمتع بمباهج الدنيا بينما امتد الفقر والبؤس ليشمل كافة مواطني القبيلة الذين عجزوا بفعل الردع والقسوة و(الإرهاب) عن المقاومة الصريحة واكتفوا (بالطنطنة) والمشي تحت الحيط، حتى إذا ما رآهم الحاكم بذلك الضعف والهوان قام بفرض المزيد من المكوس والضرائب فأصبحت الحياة داخل القرية شقاءً مستمراً وحياة لا تطاق لا نجاة منها الا بالموت، وفي لحظة حاسمة وعلى (طريقة علي وعلى أعدائي) قرر كل مواطني القرية الموت و(الانتحار) بتسميم مياه البئر ليموتوا جميعهم ويموت معهم الحاكم وأعوانه وأصبحت القرية بعد ذلك خاوية على عروشها لا أثر فيها للحياة، ولم يبق بها الا شيئان: البئر التي أصبحت معطلة، والقصر الفخم المشيد..!!
انتهت القصة.. وتظل البئر المعطلة والقصر المشيد أبرع وصف قرآني للظلم الاجتماعي في كل المجتمعات، البئر يا سادتي الأفاضل تمثل المرافق الضرورية والضروريات الحياتية لكل القرية والقصر المشيد يمثل حياة (الترطيب) والرفاهية والكماليات للقلة المترفة، وفي سبيل ذلك القصر المشيد تتعطل الضروريات الأساسية للأغلبية الفقيرة المحرومة!!
كم قصور مشيدة (بي حمامات سباحتا)، وكم من الفلل الأنيقة التي تفتح أبوابها (بالريموت) وكم من الشقق الفاخرة والمزارع ذات الاستراحات الفارهة وبالمقابل كم من الآبار المعطلة من شوارع ومستشفيات ومدارس يقضي المعلمون حاجتهم فيها في (حفر) تبتلعهم مزهقة أرواحهم البريئة.. (حفر) لم تمتد لها يد الصيانة منذ أن شيدت قبل 43 عاماً (بالله ده إسمو كلام) ؟
كسرة :
ضحكت رغم الأسى والألم وأنا أقرأ بالصحف تشكيل لجنة تحقيق حول ملابسات وفاة المعلمة!! ح تحققوا في أيه يا سادة !!؟ منكم لله ….
• كسرة ثابتة (قديمة):أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟83 واو – (ليها ستة سنوات و 11 شهر) ؟
• كسرة ثابتة (جديدة):أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 42 واو (ليها ثلاث سنوات وستة شهور)
ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة