حينما نزل ابونا ادم عليه السلام الى الارض برفقة امنا حواء منذ زمن سحيق فى القدم , تكاثر نسله ثم انتشر فى بقاع الارض , حيث كان الانسان بدائيا , يعيش على خيرات الارض يلتقط الثمار ويصيد الحيوان بأدوات بسيطة , وكان الانسان يشغل مساحات جغرافية محددة بعدد الافراد , هنا وهناك فى الجبال وفى السهول وفى المنحدرات وفى سواحل البحار وشؤاطى الانهار , ثم صارت كل مجموعة متعايشة مع
بعض قبيلة وتطورت القبيلة فصارت قرية ثم مدينة ثم دولة ,
ونشأت الممالك والإمبراطوريات وقد كانت تستخدم الحدود الطبيعية والأراضي غير الصالحة للعيش كحدود طبيعية بينها وبين الكيانات المجاورة فيما يُعرف باسم “التخويم”، وظل التخويم مستخدماً حتى القرن التاسع عشر حيث بدأت بعض المشاكل في الظهور خاصة مشاكل التنقل والسفر من مكان لآخر، فبدأت الحدود السياسية في الظهور، وهناك عدة اختلافات جوهرية بين التخويم والحدود سواء من ناحية الاصطلاح أو المعني و التخويم يعني المنطقة أو المعلم الفاصل بين كيانين مستقلين وغالباً ما يكون أرض محايدة، أما الحدود فهي خطوط مرسومة وواضحة تستخدم للفصل بين الدولتين، و التخويم مصطلح قديم نسبياً وكان يُستخدم للدلالة على الظواهر الطبيعية كالسلاسل الجبلية أو الصحاري أو بعض المظاهر الحضارية التي صنعها الإنسان والتي كانت تستخدم لتحديد ملكية الأرض وسيادة الدول، أما الحدود فهو مصطلح حديث يُشير للخطوط التي صنعها الإنسان وحددها لأغراض سياسية وبعد ان تطور سلوك الانسان الاجتماعى والسياسى قرر ان يحدد مكانه بدقة حتى لايختلط وتتداخل الامكنة فظهرت الحدود او الخطوط الجغرافية وهي خطوط وهمية ليس الا , لم توضع فى الارض , الا ان لها من السلطان والمكانة مايجعل الاقتراب منها امر جد خطير تنشب بسببه الحروب وتهون دونها الارواح , لانها تمثل الحد الفاصل الذى يشكل الخطوط الحمراء الغير مسموح بتجاوزها فهى حينئذ الحدود السياسية التى يتم رسمها كخطوط متصلة أو مقطعة على الخرائط باستخدام الصور الجوية لتبين الأراضي التي تمارس فيها الدولة سيادتها والتي تتمتع فيها هذه الدولة وحدها بحق الانتفاع والاستغلال، وذات خصائص معينة مثل اللغة والأفكار والميول والاتجاهات والعملة التي يستعملونها
ويدخل ضمن أراضي الدولة ورقعتها السياسية المسطحات المائية التي تقع داخل حدودها السياسية، سواء كانت أنهاراً أو بحيرات أو قنوات مائية، وكذلك أجزاء البحار التي تجاور شواطئها والتي تعرف بالمياه الإقليمية.
هناك نوعين من الحدود السياسية وهما الحدود البريّة وهي التي تفصل بين الدول على يابس الخريطة السياسية للعالم، أي أنها تقتصر على الحدود بين الدول في قارات العالم، ويُطلق عليها أيضاً الحدود في الرمال,الحدود البحرية وهي الحدود التي تحدد نطاق الولاية البحرية للدولة التي تطل على ساحل بحر أو محيط. ويطلق عليها أحياناً خطوط في البحر.،وهي تتضمن خطوط الأساس، وحدود الحافة القارية، أو المنطقة الاقتصادية الخالصة، والحدود بين الدول ذات السواحل المتجاورة والمتقابلة
وهناك ايضا الحدود الحضارية وتسمى بالحدود (الإثنوغرافية) وهي حدود رُسمت لفصل مجتمعين سياسيين متجاوريين يتحدث كل منهما بلغة مختلفة، أو يدين كل منهما بدين مختلف، أو يميز بينهما عوامل ثقافية أخرى. وظهر هذا النوع من الحدود بعد الحرب العالمية الأولى. ويعده بعض الجغرافيون من أفضل أنواع الحدود السياسية لقلة المشكلات الحدودية به ومن أشهر الأمثلة على الحدود الحضارية هي الحدود في قارة أوروبا، خصوصاً في وسط أوروبا، فقد رسمت على أساس اختلاف اللغات بين شعوب أوروبا.
وفي البداية كان الغرض من وضع الحدود السياسية هو الحفاظ على هوية الدول وثقافتها وعاداتها وتقاليدها المختلفة، لكن هذا الغرض لم يعد ضمن أغراض الحدود تقريباً، فقد ساهم التقدم التكنولوجي الرهيب في إزالة الفروق الثقافية والسماح بالانفتاح على الدول الأخرى، ما ساهم بشكل كبير في ضياع الهويات الثقافية خاصة بين الأجيال الصاعدة، حيث بات أغلب الشباب يقلد الدول الغربية دون أن ينتقي منها ما يتماشى مع هويته وثقافته العربية، كما أن الاستعمار ساهم بشكل كبير في تقسيم الأمة العربية وتركها مفتتة رغم أنها تنتمي لنفس الأصل العرقي.
وبعد ان ظهر التقسيم الاستعماري في رسم السياسات الحدودية بين الدول بدأت الخلافات والتوترات بين الدول التي خضعت أقاليمها للسيطرة الاستعمارية ، وقد يكون ذلك هدفاً لتحقيق المصالح الذاتية للمستعمر الأجنبي دون مراعاة لمصالح وطموحات شعوب تلك الأقاليم التي كانت محتلة في يوم ما . وبمعنى آخر يشير بعض خبراء القانون الدولي أن أهداف زرع الفتن الحدودية بين الدول التي خضعت للاستعمار ما هو إلا صورة أخرى من أوجه الاستعمار الغير مباشر ، حيث إن تقنين ترسيم تلك الحدود على أسس غير واقعية يجعل تلك الحدود عرضة لأن تكون سبباً لتوترات حدودية قد تنشأ بين الدول المتجاورة ، الأمر الذي يفرض على أطراف النزاع الاستعانة بما قد يتوفر من وثائق وأدلة لدى المستعمر الأجنبي قد سبق له وأن استولى عليها قبل إعلان استقلال تلك الدول ، وما النزاع الحدودي القائم بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران على الجزر الثلاث (جزيرة أبو موسى ، طنب الصغرى ، وطنب الكبرى) إلا مؤشراً على ذلك ، حيث نجد كثيراً ما يشار إلى الوثائق البريطانية كأدلة إثبات على أحقية دولة الإمارات في بسط سيادتها على الجزر المشار إليها ، وهذا الأسلوب يطلق عليه نظام ( الإدارة بالأزمات)
فالقوى الاستعمارية انتهجت عدم الدقة في التعيين تحقيقاً لبعض الأهداف السياسية التي ترجوها من ذلك ، ومن الأمثلة على ذلك الرسالة التي بعث بها وزير خارجية فرنسا إلى وزير داخليته بتاريخ 9 /1/1886م حول تعيين الحدود بين الجزائر والمغرب وإضافة إلى ما عوّل عليه من أسباب أخرى قد تلجأ السلطات الاستعمارية إلى انتهاجها ، مثل اعتماد خطوط الطول والعرض لتحديد مناطق نفوذها ، الأمر الذي قد ينجم عنه تجاهل الخصائص الجغرافية والديموغرافية لتلك المناطق والخطوط الفلكية المعتمدة حدود بين مصر والسودان التي تسير بمحازاة خط عرض 22 درجة شمالاً تُعد مثالاً حياً على ذلك ، أما السلبية الأخرى المأخوذة على التقسيم الاستعماري للحدود هي تجاهل الاعتبارات العرقية عند الترسيم ، ويترتب على ذلك إنشاء حدوداً مصطنعة لا تتوافق والاعتبارات السكانية التي كان يجب أن تحاط بشيء من العناية ، فالروابط الاجتماعية لها الدور الفعّال في استقرار الدول واستتباب الأمن فيها ، وخاصة تلك الدول التي تعتبر امتدادا إقليمياً كل منها للأخرى ، وأبرز مثال على ذلك مشكلة الأكراد الذين يبلغ عددهم ما يقارب 15 مليون نسمة ، مقسمون على عـدة دول ( العراق ، تركيا ، إيران ، وسوريا ) ، بالإضافة إلى أعداد منهم بأرمينيا ودول أخرى ، ولاشك أن المطّلع على وضع هذه الطائفة يجد أن هناك العديد من المناوشات التي تحدث سعياً منهم لإقامة دولة مستقلة لهم ، وما نراه من أحداث مؤسفة في العراق جراء الغزو الأمريكي البريطاني لها في 26 مارس 2003م واقتحام الأكراد لشماله بعد سقوط نظام الحكم هناك ، ما هو إلا مؤشر على ذلك مع ما صاحب ذلك من تخوف أبدته تركيا إزاء إسناد أي دور للأكراد في تلك الحرب مما سبب تأخر الأتراك في إبداء تسهيلاتهم للأمريكان في ذلك الغزو ما لم تحصل تركيا على تعهدات بعدم تمكين الأكراد من اجتياح الشمال العراقي والإسهام في الحرب الدائرة هناك . والتاريخ رصد لنا العديد من الشواهد التي تشير إلى أخطاء قد تم الوقوع فيها لعدم مراعاة الجوانب العرقية عند الترسيم ، فنجد مثلاً الصراعات الموجودة في قارة إفريقيا بين الصومال وإثيوبيا ومشكلة الماساي وفي آسيا وأمريكا اللاتينية وهناك مشكلة كشمير القائمة بين الهند وباكستان ومشكلة صحراء أتكاما القائمة بين تشيلي والأرجنتين
وفيما يلى نرصد الحدود الساخنة المتجاورة في بلدان العالم وأشدها خطورة، حيث يتربص الآلاف من حرس الحدود بالعدد والعتاد وأصابعهم على الزناد والمثال الاول الحدود بين الكوريتين حيث تعد
أحد أخطر الحدود بين بلدان العالم التي لا ينصح المغامرة بالاقتراب منها، ويبلغ طولها 150 ميلًا،وتعود قصة العداوة بينهما إلى سنة 1910، حيث كانت كوريا الموحدة في فترة استعمار دامت 36 سنة من قبل اليابان، وبعد هزيمة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء، حصلت كوريا مباشرة على استقلالها سنة 1945، لتصبح البلاد كمسرح للصراع بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، تم على أثر ذلك تقسيم كوريا إلى واحدة شمالية تابعة للاتحاد السوفيتي وأخرى جنوبية تابعة لأمريكا، وبحلول منتصف سنة 1949 انسحبت القوات الأمريكية والسوفيتية من البلاد الكورية، دون أن يعني ذلك انحلال رابط الولاء للحكومتين الشمالية والجنوبية مع المعسكرين
المثال الثانى الحدود بين الباكستان والهند العدوان التاريخيان اللدودان، حيث تصل حدودهما إلى 1800 ميل، لا تتوقف المناوشات بينهما، وطالما يحبس العالم أنفاسه في لحظات ذروة التوتر بينهما خشية اندلاع حرب نووية بسبب نزاع كشمير, وقد خاضتا ثلاث حروب ضروسة ناهيك عن المناوشات المستمرة، الأولى كانت سنة 1947، والثانية في 1965، والثالثة سنة 1971 وهي التي انتهت باقتطاع الأراضي الشرقية لباكستان وقيام جمهورية بنجلاديش..
المثال الثالث الحدود (سوريا/ العراق / تركيا / إسرائيل / الأردن)
حيث تمثل الحدود التي تطوق سوريا من كل الجهات حزامًا ناريًّا، بعد انهيار الوضع في سوريا ودخولها في حرب أهلية مستعرة، ولا زال مجلس الأمن حتى الآن يعجز عن حل المشكلة السورية رغم محاولات مفاوضات جنيف بين النظام السوري والمعارضة
وتزداد خطورة الحدود السورية مع البلدان المحيطة بها كون معظمها غير مؤمنة وتستولي عليها جماعات متطرفة على رأسها داعش التي أزالت الحدود بين سوريا والعراق من أصلها، بالتأكيد محاولة العبور في هذه الحدود تشبه قذف نفسك في كرة من اللهب المستعر
المثال الرابع الحدود بين السعودية واليمن حيث تعتبر المنطقة التى
-تفصل بين أغنى بلد في الدول العربية وأفقر دولها منطقة ملتهبة، وذلك بعد أن شنت السعودية عملية عسكرية أطلقت عليها “عاصفة الحزم” بمشاركة حلفائها لكسر شوكة الحوثيين في اليمن، بهدف إبعاد الخطر الإيراني عن حدودها وإرجاع “السلطة الشرعية”، ولا تزال العملية مستمرة
المثال الخامس الحدود بين السودان ودولة جنوب السودان , وقد خاض الجيش السوداني منذ عقود حربًا مع العديد من الجماعات المسلحة على رأسها الحركة الشعبية، كان من آثارها انقسام السودان وقيام دولة جنوب السودان في يوليو 2011،ويبلغ طول الحدود بين السودان وجنوب السودان 1350 ميلًا، وحتى الآن لا زالت بعض المناطق الحدودية بينهما مثار خلاف مثل منطقة أبيي، رغم المجهودات الأممية لحل النزاع وإرساء الاستقرار في تلك المناطق التي عانى سكانها من ويلات المعارك.
كما تشهد هذه الحدود حاليا تدفق الاف الفارين من الحرب الدائرة فى دولة جنوب السودان الى داخل الحدود السودانية .
رصد ومتابعة – سعيد الطيب
(سونا)