حكومتنا و (ست العرقي) !!

* ماذا يمكن أن يطلق المرء على هذا الحدث الغريب الشاذ، والمخالف لكل القيم والأسس الأخلاقية، وكأننا في ماخور ــ وحتى المواخير لها الكثير من التقاليد التي يتقيد بها الباعة والزبائن، ومن يخالفها يسقط أخلاقيا!!

* حكى لي صديق أنه كان يشتري (العرقي) ــ نوع من الخمر البلدي ــ في زمان مضى، من امرأة اشتهرت بالنظافة والأمانة وجودة النوع، وفوق ذلك اعتادت على إكرام زبائنها بزيادة مقدرة قد تصل أحياناً الى (كباية)، وحجتها في ذلك أنها لا تريد أن ترتكب إثماً إضافياً ببيع العرقي ناقصاً فوق أنه (حرام)، أي أنها تخشى التطفيف فترتكب إثمين بدلاً عن واحد !!

* أوردت هذه القصة لا للمقارنة بين (ست العرقي) ومجلس الوزراء، ولكن لأبين أنه حتى المواخير لها أداب وأخلاق مرعية، أما ما يفعله (مجلس الوزراء) فهو شئ آخر!!
* سمعتم بالطبع أن المجلس (الموقر) أصدر قراراً بإقالة المدير العام لهيئة وقاية النباتات بوزارة الزراعة (كمال عبدالمحمود)، بدلاً عن ترقيته أو منحه حافزاً، أو حتى إزجاء عبارات الشكر له، على أمانته ونزاهته وحرصه على حماية ثروة (النخيل السوداني) من المرض والدمار بواسطة (فسائل وشتول نخيل) مصابة بنوع من الفطر المدمر، أدى من قبل لقتل (12 مليون) شجرة نخيل بدولة (المغرب) ونزوح الأهالي الذين يعتمدون عليه .. نفس الشئ الآن يمكن أن يحدث لأهلنا بالولاية الشمالية إذا لم يتكاتف الجميع ويقفوا صفاً واحداً مترابطاً ضد فساد شركة (أمطار) ونخيلها، ومن يقف ورائها!!

* القصة معروفة لديكم، فقد قامت شركة (أمطار) وهي شركة سودانية إماراتية، يرأس مجلس إدارتها وزير الزراعة السوداني، بإدخال حوالي (20 ألف) شتلة وفسيلة نخيل من دولة الإمارات الى السودان، ووقعت على تعهد بعدم زراعتها وإخراجها من أوعيتها قبل فحصها والتأكد من سلامتها، واتضح لاحقاً (بعد الفحص الذي أجري في ثلاثة مختبرات، اثنان في السودان، وواحد في هولندا) أن الفسائل والشتول مصابة بنوع من الفطر المدمر الذي يمكن أن يتسرب الى التربة ويقضي على كل أشجار النخيل بالمنطقة أو الإقليم، وأن الشركة لم تلتزم بالتعهد ونقلت الشتول والفسائل الى الولاية الشمالية (الدبة) وأخرجت بعض الفسائل من أوعيتها!!

* وكان من الطبيعي أن يصدر مدير هيئة وقاية النباتات (كمال عبدالمحمود) القرار الذي يتخذه أي مواطن حادب على مصلحة بلده، وهو إلزام الشركة بإبادة الفسائل والشتول التي أخرجت من مواعينها وتعقيم الأماكن التي وضعت فيها، وإعادة البقية الى الجهة التي استوردت منها، لخطورتها الكبيرة على ثروة النخيل السودانية، غير أن الشركة أخذت تماطل بالتشكيك في نتائج الفحص، وتطالب بإعادته، مستغلة نفوذها وصلتها بالمسؤولين، وبرئاسة وزير الزراعة لمجلس إدارتها، وبالرغم من تطابق نتائج الفحوصات في كل مرة، إلا أن موقف الشركة ظل كما هو، حتى بعد أن أثبت أحد أشهر المعامل الهولندية صحة النتائج التي توصلت إليها معامل جامعة الخرطوم.. وكان من المتوقع أن يصدر مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية قراراً يعضد قرار هيئة وقاية النباتات ويأمر الشركة بالالتزام به !!

* غير أن الجميع فوجئ بالعكس تماماً يحدث .. فبدلاً من إلزام الشركة بقرار الهيئة، أصدر مجلس الوزراء قراراً بإقالة مدير الهيئة وتعيين مدير جديد، بينما لا تزال الشتول القاتلة قابعة حتى الآن في مواقعها ولا يعرف أحد ماذا سيكون مصيرها، ومصير ثروة النخيل السوداني!!
* هل يعلم أحد مقدار الخسارة التي ستتكبدها الشركة إذا نفذت قرار هيئة وقاية النباتات.. لا يمكن أن تصدقوا: (مليون ونصف مليون دولار فقط)، وهو مبلغ يمكن أن يبدده أي ثري عربي في لحظات في أحد كازينوهات لاس فيجاس!!
* كل ثروة النخيل السوداني، أيها السادة، معرضة للدمار في مقابل ألا يخسر الشريك الإماراتي مبلغ (مليون ونصف مليون دولار) فقط، ويقبض البعض الثمن!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة

Exit mobile version