“دراجتي لي ولبيئتي” هي المبادرة التي أطلقتها السودانية إيناس مزمل (28 عاماً) لتشجيع النساء السودانيات على قيادة الدراجات الهوائية. هي خطوة أولى في مجتمع محافظ يحتكر فيه الذكور قيادة الدراجات الهوائية.
جاءت المبادرة بهدف تعزيز نمط الحياة الصحي العصري البيئي، بالنظر إلى الفوائد الكبيرة لقيادة الدراجات المعروفة محلياً باسم العجلات. فكرة المبادرة التي أطلقتها مزمل بمساعدة عدد من صديقاتها تقوم على تدريب السودانيات بمختلف أعمارهن على القيادة، مساهمة في حماية البيئة، وكذلك، لأنّ الدراجة وسيلة اقتصادية يسهل على كلّ فرد امتلاكها.
تقول مزمل لـ”العربي الجديد” إنّ فكرة المبادرة انطلقت من ولعها بقيادة الدراجات منذ الصغر، فضلاً عن نشاطها في مجال حماية البيئة. وتؤكد أنّها طرحت الفكرة على نطاق صديقاتها اللواتي شجعنها بقوة وبدأت بتدريبهن: “بدأنا بعشر سيدات، والآن أصبحنا 85 سيدة خلال ثلاثة أسابيع من إطلاق المبادرة. نلتقي أسبوعياً للتدريب في مقر متفق عليه مسبقاً”. تتابع أنّهن ما زلن في مرحلة التدريب وقيادة الدراجة في مكان مغلق من دون الخروج إلى الشارع: “باستثناء مرة واحدة نظمنا فيها فعالية في شارع النيل بمشاركة السفيرة الهولندية في الخرطوم سوزان بلانكهارت”.
تؤكد أنّ المبادرة لاقت تجاوباً كبيراً، فضلاً عن بعض الانتقادات باعتبارها فكرة جديدة على المجتمع السوداني. توضح: “البعض استهجن الخطوة والبعض اندهش منها لأن الشارع لم يعتد على قيادة فتاة دراجة”. تشدد مزمل على أنّ الهدف الأساسي من المبادرة الترويج للسلوكيات الصديقة للبيئة، باعتبار قيادة الدراجات تؤدي إلى الاتجاه نحو الطاقة النظيفة. لكنّها تعتبر في الوقت نفسه أنّ الدراجة وسيلة مواصلات ذات فائدة اقتصادية واجتماعية، إذ تخرج المجتمع من التمسك بمظاهر الرفاهية المكلفة والضارة بالبيئة، في إشارة منها إلى السيارات.
لإنجاح مبادرتها اشترت مزمل عدداً من الدراجات ووفرتها للراغبات في الانضمام إلى المبادرة. تنقلها أسبوعياً من مكان إقامتها إلى المقر المتفق عليه للتدريب. لكنّ الدراجات تقتصر على التدريب، وتؤكد مزمل أنّ أبرز التحديات عدم توفر دراجات خاصة بالسيدات في السودان، فضلاً عن الحالة الاقتصادية التي قد تمنع كثيرات من الانضمام إلى المبادرة لعدم توفر ثمن دراجة معهن. فالتدريب قد يذهب سدى. بالرغم من كلّ شيء، تجاوبت عشرات النساء مع المبادرة التي حققت للبعض رغبتهن في قيادة الدراجات.
تقول منى (30 عاماً) لـ”العربي الجديد”: “عندما كنت طفلة تولّدت لديّ رغبة قوية في قيادة العجلات. لكنّي كنت أصطدم دائماً بكلمة: أنتِ فتاة”. تضيف: “الذكور فقط يقتنون الدراجات، وإن حاولت الفتاة أن تقود دراجة أخيها فهي تتعدى الخطوط الحمراء”. تؤكد أنّها بمجرد الاطلاع على فكرة المبادرة قررت الانضمام إليها لإرضاء رغبات قديمة “أعتقد مع بقية أفراد المجموعة أنّ ضغط المجتمع سيضعف، ومع الإصرار سيقبل بقيادة الإناث الدراجات”.
أما ريماز (25 عاماً) فتقول إنّها عندما كانت صغيرة، وحتى دخولها الثانوي، كانت تقود دراجة، ما جعلها حديث الحي الذي تقطن فيه “كنت أسمع كلّ من حولي يتناقلون على ألسنتهم أنّ والدي سمح لي بقيادة الدراجة لأنّه كان يتمنى أن أكون صبياً، خصوصاً أن لا أشقاء ذكوراً لديّ”.
تجد المبادرة تأييداً من بعض الرجال. يعتبر أحمد (35 عاماً) أنّ المبادرة عظيمة ويفترض أن تُدعم. ويؤكد أنّ المجتمع سيتقبّلها، ولو رفضها في البداية بسبب الخوف من التغيير. في المقابل، ترفض وداد (45 عاماً) تماماً فكرة قيادة الفتاة الدراجة، وترى أنّ “تركيبة جسد المرأة لا تسمح لها بذلك، وأنّ القيادة ستحولها إلى امرأة مسترجلة”.
في مواجهة التلوث
لا تشجع مبادرة “دراجتي لي ولبيئتي” النساء فقط على قيادة الدراجات الهوائية بل الرجال أيضاً في السودان، مع ما في ذلك من أثر بيئي حميد، إذ يحدّ من تلوث الهواء الذي تعاني منه البلاد، خصوصاً ولاية الخرطوم. فاستبدال السيارات بالدراجات الهوائية يسهم بشكل كبير في التقليل من انبعاث غاز أول أكسيد الكربون الذي يتسبب في أمراض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي.
العربي الجديد