“الزواج هو أطول وردية حراسة في التاريخ” .. الكاتبة ..!
باعتباري زوجة ثانية فقد اعتدتُ -بمرور الوقت- على عروض المكابرة التي لعبتها زوجة زوجي – الأولى – على مسرح حياتنا المشتركة، وكنت دوماً أقول بأن الإنسان بفطرته مجبول على الرضوخ للأمر الواقع .. جميع البشر المؤمنين مفطورون على الرضا بالمقسوم ولو بعد حين .. وكما يغير الزمن وجه الصخور يلين صلابة الرفض أيضاً ..تبني هذه الفلسفة أعانني في الماضي على احتمال اعتراضات أهلي على مبدأ زواجي من رجل متزوج، كما أعانني على تجاهل ثورات زوجته الأولى وانقلاباتها الفاشلة على حكم زواجي من زوجها، وقد صدق حدسي ..!
بتعاقب السنوات على زواجي المستقر أيقنت هي بأن شراكتي لها في زوجها هي في حكم المصير، وبأنه لا سبيل إلى إقصائي عن حياتها ..وهكذا .. بيأس وعلى مضض تطبعت مع فكرة وجودي الأصيل في حياتها والذي لا مجال للمكابرة بشأنه.. فما أن كبر أولادي حتى أصبحوا يشبهون أولادها ويشتركون معهم في طقوس أبوة والدهم ويلتقون معهم في خطوط ملامحه.. وكم أعانني ذلك.. فاليوم عندما تجمعني المناسبات العائلية بها أتجاهل -عن قلة اكتراث حقيقية، لا مصطنعة- مخلفات الحرب التي تقبع بخمول في سواد عينيها ..!
مشكلتي اليوم لم تعد في حروبها هي بل في حروبي المستمرة مع أخرى مجهولة قد تسرق منِّي زوجي على ذات النحو والكيفية التي تردد هي بأني قد سرقت بها زوجها.. اليوم تسلمت مقاليد السلطة والرقابة الإدارية منها .. تسلمتها كاملة، متبوعة بعهدتها المتمثلة في الرادار الأنثوي إياه ..!
غرقت هي في تزويج البنات والأولاد وقدوم الأحفاد، واستبدلت الثياب الصارخة بأخرى هادئة الألوان وتسريحات الشعر بالحجاب، واستسلمت لزحف السنوات بينما كنت وما أزال ألهث وراء آخر صيحات الموضة، ونقشات الحنة، وماركات المكياج.. واتسعت الفجوة الجيلية التي تفصل بين عمرينا ومظهرينا بفضل استسلامها الكامل لخطوط ريشة الزمن العنيدة على وجهها وجسدها الذي بات لا قبل له بمجاراة شبابي ..!
اتساع الفجوة شمل أيضاً مظهرينا زوجي وأنا، كما شمل نمط حياتينا وطريقة تفكيرنا ورؤانا المتباعدة لكثير من المفاهيم والضرورات والصور الحياتية.. لقد أصبح ما يجمع بينهما اليوم أكثر، وربما أعمق من الذي يجمع بيني وإياه.. فاليوم وبعد أن شارف كلاهما على الستين، تجمعهما الزيارات المشتركة لذات الأطباء ولذات الأسباب المرضيَّة، كما أصبحا يعيشان معاً حياة الجد والجدة ونجاح الأولاد والبنات وصخب الأحفاد ..!
سفرة الطعام التي تجمعهما معاً متناغمة، ذات الأطباق الخاصة (االفقيرة إلى الملح والسكر، ليست كالسفرة المليئة بالمتناقضات التي تجمعني وإياه.. أنا الزوجة التي ما تزال ثلاثينية بالتقريب إلى أقرب عدد عشري، وأولادي الصغار الأقرب إلى أحفاده منهم إلى أبنائه بذات التقريب الحسابي ..!
زوجي وزوجته الأولى يلتقيان اليوم في لهاثهما المحموم لتكديس أرصدة الثواب الإلهي ونفورهما من كل مظاهر الجموح التي تقتات من تلك الأرصدة، وميلهما الكبير إلى قضاء العطل السنوية الدينية بجوار المشاعر المقدسة ..!
بينما تبعدني اليوم عن زوجي ردود أفعالي الطفولية، وتصفعني تلك الرصانة الرمادية التي تنسكب على اشتعالي كدلو من الماء البارد.. وكم باتت تغيظني ردة فعله عندما اشتعل غيرة من إحداهن، فيدفع اتهاماتي بابتسامة مسكينة، ويهدهد غيرتي بأن لا قبل له بغريمة ثانية، أو مشروع زوجة ثالثة، غير موجودة ولن تكون إلا في خيالي المتفائل ..!
رغم كل ما فات .. رغم كل شيء.. عندما أتأمل اليوم في حجم المنغِّصات والخسائر، وقائمة المثالب والسلبيات في هذا الزواج، أجدني راضية عن نفسي وعن قراري الذي دفعني بقوة وإصرار نحو هذا المصير الثلاثي المشترك ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة