أثارت دعوة أطلقها رئيس حزب سياسي سوداني للتطبيع مع إسرائيل كثيرا من ردود الأفعال بين مؤيد للدعوة ورافض لها، رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي تنطلق فيها مثل هذه الدعوة.
لكن ما جعل الدعوة الأخيرة تحظى بهذه الأهمية أنها جاءت من داعية مثير للجدل هو يوسف الكودة الذي يرأس حزب الوسط الإسلامي في السودان، بعدما طرحها عبر عدة منابر دفعت مؤسسات وكيانات دينية للإعلان عن موقف مناقض ورافض لها.
وبدا الكودة أكثر حماسة لدعوته بتأكيده أن السودان “قد تضرر كثيرا من مقاطعته لإسرائيل” التي استمرت برأيه قرنا من الزمان. وقال “حان الوقت لإقامة علاقات تجارية واقتصادية ودبلوماسية مع إسرائيل”، معتبرا أن ذلك يمثل “إحدى المسائل التي تحقق الاستقرار والسلام في السودان”.
وبرأيه أن السودان غير مكلف بتبني القضية الفلسطينية وحده، “وبالتالي علينا أن ننظر إلى مصالح السودان، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.
وعلى الرغم من الرفض الشعبي المعلن لأي تعامل مع إسرائيل، فإن الكودة يعتقد أن ردة الفعل على دعوته لن تعدو أن تكون عاطفية وتقودها بعض الجماعات الإسلامية “المتشددة” في البلاد، و”طالما أردت بدعوتي الحق فلا أخشى وإن كلفني ذلك قطع رقبتي”.
ويأمل رئيس حزب الوسط الإسلامي -في حديثه للجزيرة نت- أن تتحول دعوته إلى مبادرة تحظى بمباركة كل التيارات المناهضة للتطبيع مع إسرائيل.
معارضون ومؤيدون
غير أن هيئة علماء السودان اعتبرت دعوة الكودة تخالف مبدأ الشرع. ووفقا لرئيسها محمد عثمان صالح، فإن مبدأ التطبيع مع إسرائيل “من الأمور المرفوضة شرعا لأنها دولة معادية لم تجنح للسلم في يوم من الأيام”.
وبرأيه أنه “لا يجوز الصلح مع دولة تعلن الحرب على المسلمين وتقتل الفلسطينيين وتشردهم وتحتل أرضهم دون وجه حق”، معتبرا -في تعليقه للجزيرة نت- أن التطبيع مع إسرائيل “يعني اعترافا مجانيا”.
لكن صالح عاد واشترط للتطبيع مع إسرائيل جنوح الأخيرة للسلم وإعادتها كافة الحقوق الفلسطينية، “بعدها يمكن النظر في أمر التطبيع من عدمه”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية محمد خليفة الصديق، أن سعي السودان لعلاقات مع إسرائيل ليس بجديد، “فقد كشفت برقية دبلوماسية أميركية نشرت على موقع ويكيليكس أن السودان كان يفكر في عام 2008 في تطبيع علاقاته مع إسرائيل، باعتبارها أقرب حليف للولايات المتحدة في المنطقة”.
واعتبر الصديق أن الكودة يسعى لأن يكون “قاطرة شعبية لأمر تريده الحكومة، ويشرعن -كرجل دين معروف- ويعطي صبغة دينية لأمر لا يحبذه السودانيون حمية وبغضا لما تقوم به إسرائيل في فلسطين”.
أما الكاتب والمحلل السياسي حسين ملاسي فيعتقد أنه بعد القرار الأميركي بالرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية عن السودان، بدأت الأصوات الخافتة المطالبة بالتطبيع مع إسرائيل تعلو شيئا فشيئا.
ويقول إن مجرد الهمس بالتطبيع كان في السابق أمرا مستنكرا، ناهيك عن الجهر به والتأصيل الشرعي له.
وباعتقاد ملاسي فإن أسباب معارضة التطبيع مع إسرائيل تنقسم في السودان إلى قسمين، قسم شرعي محتكر لرجال الدين منعا وإباحة، وآخر سياسي متاح للجميع.
ومن وجهة نظره، فإن إفساح الحكومة المجال للدعوة وعدم قفل الباب للنقاش حولها دون أن يتبع ذلك أي توقيف أو توجيه بعدم النشر أو لفت نظر، أو أن يتبع تلك الآراء استنكار ودعاوى تخوين كما كان يحدث في السابق؛ يبدو من قبيل تهيئة الرأي العام لتقبل فكرة التطبيع.
كما إنها -بحسب ملاسي- ربما تمهد لاتخاذ قرار قد ينتهي بالتطبيع الكامل أو الجزئي أو إنهاء حالة العداء مع إسرائيل على أقل تقدير، كمطلب من متطلبات مرحلة الإفراج الأميركي المشروط المتبوع بتدابير الرعاية والإصلاح.
عماد عبد الهادي-الخرطوم
الجزيرة