هل نحن أمة العيون التى لا ترى إلا القبح ، ولا تقرأ لتفهم أو تستزيد من المعرفة ، إنما فقط لتنتقد وتعيب وتحقر ما رأت ، لا أدرى لماذا نمارس هواية نقد الآخرين والسخرية من أعمالهم مهما سمت ؟ وفى ذات الوقت لا نرحب ولا نقبل بالنقد عندما يوجه إلينا !
اذكر كتبت يوما مقالا فى جريدة الشرق الأوسط عندما كان الإعلان فيها بالشيء الفلانى بعنوان ( قبل الديموقراطية البطون الجائعة لا تملؤها الشعارات ) ولقد أخذ الموضوع أكثر من ثلث الصفحة وقامت أسرة التحرير بارفاق صورة معبرة مع المقال لهياكل بشرية من جياع أفريقيا ..
وكان هناك أحد الأخوان مسافر للوطن وذهبت انا ومعى بعض الإخوة لوداعه وتحميله بالهدايا والمصروفات للأهل ، وما أن تعانقنا وجلسنا حتى جاء أحدهم بالصحيفة وهو يقول: يا سلام عليك يا رايع ، والله الليلة أحمد كتب موضوع ممتاز فى الشرق الأوسط عشرة على عشرة اهنيك .. بادلته التحية بابتسامة عريضة لم تدم طويلا عندما خطف واحد تانى الجريدة وأخذ يقرأ .. وفى أقل من ثلاثين ثانية فقط وقبل أن يكمل الموضوع اصدر حكمه وقال: شنو يعنى ده هسى ما كلام عادى .. وأي واحد ممكن يكتب زيو؟ التزمت الصمت ولم ارد عليه ولكن ثمة أشياء داخلى بدأت تتحطم وتتداعى كالواح الزجاج .. لا أدرى هل كان ذلك حسدا أم حقيقة أم غيرة …. ولكن جاءت النجدة سريعا من ذلك الرجل الطيب ذلك الأستاذ الكبير الذى كان اكثرنا علما ورجاحة عقل حينما انبرى له قائلا : ياخى حرام عليك زول بكتب فى الشرق الأوسط تقول ده كلام عادى ؟ جريده الإعلان فيها بالسنتمتر المربع يدوهو ثلث الصفحة وتقول ده كلام عادى ؟ ياخى انت المفروض تشجعو وتفتخر بيهو وتجرى جرى تشترى الجريدة .. الزول ده لوحة شرف لينا كلنا؟ فأخذ صاحبنا يتمتم ويهمهم دون أن نفهم منه شيئا ثم لاذ بالصمت وساد المكان مساحة من النظرات لم يقطعها إلا دخول آخرين قمنا لمعانقتهم ومن ثم الدخول فى موضوع آخر .
تذكرت هذه الحادثة لانها كانت فى بدايات محاولاتى الأولى للكتابة والنشر ، ولو اننى تأثرت بمثل هذه المواقف السالبة لما وصل صوتى اليكم اليوم ، فأردت أن أهدى هذه القصة لكل صاحب قلم وموهبة صادقة أن لا يأبه لمثل هؤلاء المخزلين والمحبطين ، وأن يثق فى نفسه وفكره وبالمزيد من الصبر والإطلاع والعزيمة والإصرار سوف يلامس كل أحلامه وأهدافه فى الحياة والتوهج والنجاح . ودمتم بخير .
أحمد بطران