حسناً فعل الإمام “الصادق المهدي” بعودته للبلاد، وقد أحسنت جماهير الأنصار وقواعد حزب الأمة استقباله، وذلك ما يليق به كزعيم كبير ورمز مهم من رموز بلادنا الوطنية.
{ غير أن عودة الإمام وحدها لا تكفي، فالمطلوب منه كأحد كبار وحكماء البلد الذين لم يتبقَ منهم غير القليل، أن يقود مبادرة سياسية شاملة ومستمرة تجمع شتات الحكم والمعارضة على ثوابت وطنية محددة، لا على حكومة وفاق وطني، فالحكومات ذاهبة، والمناصب مكاسب ذاتية خاصة بشاغليها إن لم توجه لمصلحة الوطن، بل تصبح المناصب نقمة إن لم يقتنع الجالسون على مقاعدها بأنها (دوارة)، وأن عليهم مغادرتها بعد دورة أو دورتين على الأكثر، وهكذا فعل سادتنا (الإنجليز) منذ قديم ديمقراطيتهم العتيدة، وتبعهم كل أهل العالم الأول، فتقدموا.. وما زلنا في شرقنا متأخرين.
{ لقد تجاوز الإمام “الصادق” عمر الرئاسات والوزارات ومتاع الدنيا الزائل، فقد كان رئيساً لوزراء السودان عام 1966م، ويومها لم يولد بعض وزراء وولاة (الإنقاذ)، وكان بعضهم في (الأولية)، ولم ير النور حينها بعض (أمراء) و(شيوخ) وحكام بعض دولنا العربية. ولهذا فالمطلوب منه أكبر من رئاسة حزب أو رئاسة دولة، أكبر من تجمع معارض محدود القوى والأجندة كـ(نداء السودان) أو غيره، أملنا فيه يتجاوز سلطات الحزب الحاكم، ويعلو على وساطات الاتحاد الأفريقي، فإن كان “مبيكي” رئيساً سابقاً تقاعد عن سدة الحكم في جنوب أفريقيا قبل سنوات قلائل، فإن الإمام “الصادق المهدي” كان رئيساً منتخباً لحكومة السودان قبل (50) عاماً طويلة، ويومها لم نكن جزءاً من الدنيا، ثم تجدد ولاء الشعب له رئيساً للوزراء قبل (30) عاماً.
{ ولهذا وذاك.. ينبغي أن يكون السيد “الصادق” وسيطاً فوق العادة.. محكماً من جميع الأطراف السودانية، بين الحكومة والمعارضة المدنية، بين الحكومة والحركات المسلحة، بين الحكومة وبعض الدول في حالات الخلاف وتباين وجهات النظر، عليه أن يخلع طاقية (حزب الأمة)، ويحتفظ بإمامة الأنصار ليكون إماماً وسطياً مقبولاً لجميع الطوائف والجماعات في السودان.
{ لقد مضى الشيخ الدكتور “حسن الترابي” إلى الله، قبل أن يرى ثمرات الحوار الوطني واقعاً بين الناس، ولكنه قبل أن ينتقل أوصى بالمنظومة الخالفة وفيها يتحلل من أسر الحزب، ونطاق ( الشعبي) إلى آفاق أرحب، ومرقى أسمى تجتمع فيه العديد من القوى والكيانات.
{ وقد طرح السيد “الصادق” مؤخراً مشروع وحدة الأحزاب السودانية في (3) جبهات، وإنه لطرح عظيم وفكرة متجاوزة، تتطلب السعي وراءها بجد ومثابرة، والتفرغ لجمع فرقاء السودان على صعيد واحد، وتقديم القدوة في التنازل عن الرئاسات لتحقيقها.
{ فهل يفعلها الإمام.. ليشجع الآخرين أن يحذوا حذوه.. ويسيروا في ركابه؟
الهندي عز الدين
المجهر