شغل ملف الجاسوس التشيكي بيتر جاسيك الأوساط السياسية والقانونية والطوائف الدينية المختلفة، في وقت أسدلت فيه محكمة الخرطوم وسط الستار على القضية وأصدرت عقوبة رادعة بالسجن المؤبد في مواجهته، واعتبر مراقبون أن العقوبة هي الأولى من نوعها التي تصدر في حق جاسوس أجنبي ضبط أثناء مغادرته البلاد.
وفي السياق وصفت وزارة الخارجية التشيكية في بيان لها الأحد الماضي، حكم محكمة الخرطوم وسط القاضي بسجن جاسوس تشيكي بالسجن لمدة (20) عاماً بأنه حكم لا أساس له، ونقلت أسوشيتد برس عن الوزارة أن محكمة في الخرطوم أصدرت حكما قاسياً بالسجن على بيتر جاسيك، حيث حوكم بتهم من بينها التجسس، وأضافت أن نائب وزير الخارجية سيتوجه إلى الخرطوم خلال الأيام المقبلة، في محاولة للتفاوض على إطلاق سراح جاسيك، وإذا لزم الأمر فإن وزير الخارجية لوبومير زاوراليك مستعد للتوجه إلى هناك أيضا.. وقال مسؤولون تشيك إن جاسيك كان يزور السودان لمساعدة المسيحيين المحليين، وألقي القبض عليه في ديسمبر 2015 م وأوضحت الوزارة في بيانها أن جاسيك في حالة جيدة، ولكن لا يوجد أي دليل يدعم إدانته أو عقوبته.
الجاسوس يجيد العربية
لم تأتِ إدانة جاسيك من فراغ حسب زعم بيان وزارة الخارجية التشيكية، فقد ثبت من خلال عدة تسجيلات ضبطتها السلطات الأمنية أن الجاسوس يتحدث اللغة العربية بطلاقة في وقت أنكر فيه تماماً معرفته للغة العربية منذ القبض عليه، مما اضطر السلطات لإحضار مترجم له. وثبت أن جاسيك زار السودان لعدة مرات وفي المرة التي ضبط فيها كان يحمل فيزة سائح صادرة من سفارة (فيينا)، كما ثبت من خلال المستندات المضبوطة أنه ظل يزور دولاً مثل مصر باستمرار وأول زيارة له إليها كانت في 2004م وكذلك المغرب والجزائر وموريتانيا وجيبوتي والصومال وغيرها من دول إفريقيا، وكذلك اتضح أنه زار دول الاتحاد السوفيتي التي تفككت ولديه تواصلات مع بعض المنظمات المنتشرة بها، حتى أنه ظهر بإحدى الصور وهو يرتدي الزي الموريتاني وعلى ما يبدو أنه كان متخفياً بذلك الزي.. وثبت أنه زار جميع دول إفريقيا عدا (4) دول فقط، كما أثبتت التحريات أنه متخصص في شأن المسلمين المرتدين فقط ومن خلال زيارته اتضح أنه يركز على الأوساط التي تضم مسلمين أو مسلمين بدلوا ديانتهم إلى المسيحية.
وثائق وقصص مفبركة
رأت المحكمة إدانة بيتر جاسيك بعد أن أثبتت التحريات تورطه بالتجسس لصالح منظمات أمريكية معادية للسودان وللإسلام مثل منظمة (vom) والتي ظلت توثق لقصص مفبركة لأطفال مصابين بحروق تدعي أن إصاباتهم ناجمة عن اضطهاد ديني وتمييز عرقي من قِبَلِ المُسلمين، ومن بين القصص قصة لطفل جنوبي يدعى (كانبينو) وهو طفل ثبت مؤخراً أنه أصيب بحروق إبان أحداث المعارضة الجنوبية بجوبا، إلا أن المنظمة التي قدمت له العلاج قامت بفبركة قصة ادعت فيها أنه أُصيب إثر هجوم شنه أصوليون إسلاميون سودانيون متشددون شنوا هجمة على المسيحيين بالحدود الجنوبية حيث إحدى الغابات التي كان (كانبينو) يلهو بجوارها وحينما أخفى نفسه عنهم قاموا بإحراق الغابة فأصيب الطفل وقامت المنظمة بعلاجه.
عثرت السلطات بحوزة المدان على مقاطع وفيديوهات توثق لمزاعم اضطهاد دينى في السودان، وقصص مفبركة ليس لها وجود على أرض الواقع، وتبين أن تلك الأفلام تنتجها منظمة تطلق على نفسها اسم (قديسون تحت النيران) ومنظمة أخرى وهي منظمة برامج المضطهدين (ppf) وكذلك منظمة تحالف الوصول العظيم وغيرها من المنظمات المعادية للإسلام.
فيديو يفضح المؤامرة
تشير الوثائق إلى أن عداء تلك المنظمات للسودان بدأ منذ وقت بعيد حيث بدأت خيوط المؤامرة تحاك ضد السودان منذ التسعينيات من القرن الماضي وأنها بدأت توثق لما سمته بالعنف والانتهاكات منذ ذلك الوقت ولعل الدليل على ذلك هو الفيديو الذي عثرت عليه السلطات الأمنية بطرف المدان بيتر جاسك فقد حوى الفيديو مقطع لمجموعة من فريق منظمة برامج المضطهدين (ppf) وظهر في الفيديو عدد من عناصر الفريق وبينهم أجنبي كان يتحدث إلى شاب يدعى (محمود) وهو من أبناء جنوب كردفان وينتمي للحركة الشعبية حسب نص الحوار الذي دار بينهما فقد كان الأجنبي يقول لـ(محمود): (إن الحملة الإرهابية الجوية لسلاح الجو السوداني والقوات البرية التي شنها بجبال النوبة تبدو أشبه بسياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها الحكومة مطلع التسعينيات ووقتها كنا شهوداً)، ونص الحوار يؤكد جلياً أن أعضاء الفريق زاروا السودان منذ مطلع التسعينيات حسب تأكيداتهم.
في الويب سايد لمنظمة برامج المضطهدين يتحدث مؤسسها براد فيليبس أنهم وصلوا إلى دارفور في العام 2004م وتحدث في ذات الموقع عن مزاعم أسلمة قسرية وتعريب قسري لإنسان دارفور.
أثناء التحريات أقر المدان التشيكي بأنه مسؤول إفريقيا بمنظمة (vom) وأفاد بأنهم قابلوا الشاب المحروق على عمر وأبلغوه بأنهم يتبعون لمنظمة تعمل في أكثر من (70) دولة، وأشارت التحريات إلى أن المدان أقر بأنه زار جميع دول إفريقيا عدا (4) دول فقط وأن زياراته لتلك الدول كانت متكررة وأكثر زياراته كانت لنيجيريا ومصر وأنه على علاقة بمنسوبي ذات المنظمة المسئولين عن التوثيق للاضطهاد بمصر.
تسلسل مثير للأحداث
فى العام 2015م كانت السلطات الأمنية قد ألقت القبض على قساوسة جنوبيين بتهمة التجسس وهما بيتر ين ومايكل يات وقدما للمحاكمة أمام محكمة بحري والتي أدانتهما واكتفت بفترة حبسهما حيث كانا قد قضيا بالحبس فترة (11 شهراً) و(9 أشهر) وأمرت بإطلاق سراحهما، إلا أن محكمة الاستئناف ألغت العقوبة وأمرت بإعادة القبض عليهما حيث تبين أنهما قد فرا في ذات اليوم الذي أطلق سراحهما فيه إلى خارج السودان، ثبت من خلال التحريات الآن أن القسين الهاربين ينتميان لمنظمة التحالف الدولي العظيم للوصول التي يملكها مستر (كليف) وأنهما يعملان تحت رئاسة القسيسين جيمس توت وجيمس لاقوس وهما من أبناء جنوب السودان وسبق أن عملا قساوسة بكنائس بالخرطوم قبل أن يتم طردهما بعد أن ثبت تورطهما في عمليات التنصير بالخرطوم. وخلال التحريات اتضح أنهما حضرا مؤتمر أديس أبابا الذي حضره المدان بيتر جاسيك وعدد من الشخصيات الأخرى وتم فيه عرض حالة الشاب على عمر وزعموا أنه تعرض للاضطهاد من المسلمين الذين قاموا بحرقه حتى يتراجع عن قراره بعد أن أصبح مسيحياً، وهذا الحديث كذبه الشاب نفسه أمام المحكمة والذي أكد لدى استجوابه أنه لم يكن يوماً مسيحياً وأن إصابته كانت نتيجة حادثة جنائية.
المدان بيتر جاسيك هو من أهم أعضاء منظومة تنشط في عمليات التنصير بالدول الإسلامية فضلاً عن أنه عضو نشط في التخابر والعمل الاستخباري وأن له صلات بالموساد الإسرائيلي كما يتضح جلياً في إحدى صوره داخل منزله هو وأفراد عائلته وخلفهم شعار الشمعدان الإسرائيلي، فقد أثبتت تقارير استخبارية أن المدان ظل يقوم بعمل استخباري وأنشطة تهدد أمن الدول التي قام بزيارتها كما ثبت أنه ظل يدعم مجموعات تنتمي إلى الأمازيغ بالمغرب العربي.
تكلفة مصادر المعلومات
تشير تقارير إقليمية إلى أن لتنظيم تحالف الوصول العظيم الذي يقوده مستر (كليف) شبكة تغطي كل الدول الإفريقية وفي السودان ثبت أن لديه شبكة تغطي كل ولايات السودان تقوم بجمع المعلومات وتجنيد عناصر بالتركيز على قبائل محددة وشخصيات قيادية محددة واتضح أن تلك الشبكة تقوم برصد الأنشطة الحكومية العسكرية بمناطق النزاعات. وفي السياق اتضح أن لمنظمة (ppf) شبكة بالولايات بالتركيز على مناطق النزاعات خاصة جنوب كردفان، وأن لديها وجوداً بدولة جنوب السودان ولديها معسكر ضخم بشرق الاستوائية تتخذه كمحطة انطلاق لدول الإقليم. وتشير التقارير الواردة من ذات المنظمة إلى أنها ظلت تقوم بإرسال أشخاص من أبناء دارفور وجنوب كردفان إلى معسكرها بشرق الاستوائية بعد أن اعتنقوا المسيحية لمزيد من التدريب والتأهيل، كما اتضح أن ذات المنظمة أنشأت مركزاً لترجمة الإنجيل وقصصه إلى اللهجات السودانية المحلية، وكان القساوسة اللذين فرا عقب محاكمتهما قد ضبط بحوزتهما عدد من كتب الإنجيل باللهجات المحلية السودانية.
حسب الوثائق التي ضبطت بحوزة المدان بيتر جاسيك فإنه ظل يستخدم مصادر لجمع المعلومات ينتمون لإحدى الحركات المسلحة السودانية وهم سودانيون وأن المدان يمنح كل واحد فيهم مبلغ (33) دولارا في الشهر الواحد نظير جمع معلومات تدين العرب المسلمين بالسودان والحكومة.
الخرطوم: هاجر سليمان
السوداني