أصدرت المحكمة القومية العليا برئاسة مولانا “هاشم عمر عبد الله” وعضوية “بابكر محمد بابكر التني” ومولانا “حسن أحمد عمر موسى” قراراً بإلغاء الأحكام الصادرة في قضية الأقطان الشهيرة المتهم فيها مدير شركة الأقطان السابق “عابدين محمد علي” والعضو المنتدب لشركة “متكوت” رجل الأعمال المعروف “محيي الدين محمد علي” وآخرين، وإعادة الأوراق إلى محكمة الموضوع. ووقع القضاة الثلاثة على الحكم بعد مناقشته ومراجعته في الفترة من 28 نوفمبر إلى 22 ديسمبر عام 2016، فيما تم إعلام محاميي المتهمين بالقرار في 18 يناير 2017، حسب الإجراءات المتبعة في المحكمة العليا لتحقيق العدالة.
{ وجاء قرار المحكمة القومية الصادر في (10) صفحات استناداً إلى أن محكمة أول درجة (لم تشر إلى ما ورد من نقاط في المرافعات الختامية لمحاميي الدفاع، ناهيك عن مناقشتها وإبداء الرأي في كل منها، سواء سلباً أم إيجاباً، تدعيماً إلى ما توصلت إليه من حكم).
{ ولأنها قضية رأي عام، لما تمس من أطراف متعددة وتهم قطاعاً واسعاً من المزارعين في السودان، وقد تم الفصل فيها بواسطة محكمة الموضوع الموقرة، ثم محكمة الاستئناف، وفصلت أخيراً فيها المحكمة العليا بإلغاء الأحكام وإعادة الملف إلى محكمة أول درجة، فإنه يجوز لنا التعليق على (عموميات) مهمة قبل أن يبدأ مولانا القاضي النظر من جديد في أوراق الاتهام ومرافعات الدفاع، ومعلوم لدينا أنه عندما تبدأ الجلسات فلا يجوز لأحد التعليق إلى حين صدور الحكم، وتكتفي الصحافة حينها بنقل وقائع الجلسات فقط.
{ وللحقيقة فإن الكثير منا في الصحافة وربما في الشارع العام، ظل متخذاً موقفاً عدائياً.. طبيعياً تجاه من نعدّهم (فاسدين) وسارقين للمال العام.
{ ولكن الوقوف على التفاصيل ومطالعة ملف القضية، ومعرفة الطقس والأطراف المحيطة بالقضية يدفعك دفعاً باتجاه آخر، ومن يقرأ الورق يستوعب الكثير من الحقائق.
{ خلاصة الموضوع أن شركة السودان للأقطان وهي بالمناسبة (شركة خاصة) مسجلة بموجب قانون الشركات لعام 1925، ويملك مزارعو الجزيرة ومزارعو مؤسستي الرهد وحلفا الجديدة الزراعيتين (80%) من أسهمها (كأفراد)، وليس حكومة السودان كما كنا نعتقد، طلبت شركة الأقطان من السيد “محيي الدين عثمان” بطريقته الخاصة، جلب تمويل من مؤسسات مالية أجنبية بما قدرته مطلوبات مشروع النهضة الزراعية في العام 2009م، بنحو (مليار دولار) على مراحل لزراعة مليون ومائتي ألف فدان بمحصول القطن من الموسم 2010 – 2011 إلى الموسم 2011- 2013.
{ وقد استطاع “محيي الدين عثمان” بعلاقاته الخاصة مع مؤسسات تمويل دولية، وليس عبر وزارة المالية ولا من خلال بنوك تجارية سودانية لا قبل لها بمثل هذه التمويلات الدولارية الضخمة، استطاع الحصول على موافقة بنك (أيه . بي . سي الدولي) على توفير المبلغ المطلوب لزراعة القطن بالسودان على دفعات.
{ وبدأ تنفيذ المرحلة الأولى بمبلغ (120) مليون دولار، بموجب عقد مبرم بين شركة الأقطان و”محيي الدين” ممثلاً لشركة “متكوت” جالبة التمويل، وانسابت الأموال في شكل مدخلات زراعية وآليات، وتمت زراعة الموسم الأول بنجاح غير مسبوق بلغت جملة مبيعات القطن فيه حوالي (123) مليون دولار في الموسم الأول، بينما كان التمويل (120) مليون دولار لثلاث سنوات!!
{تضررت جهات مختلفة في قطاع الزراعة من هذه (النهضة الزراعية) وتوالت محاولات تعطيل تمويل المرحلة الثانية، والتي تليها.
{ خاطبت أمانة النهضة الزراعية وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني بتاريخ 5/1/2011، تنبه وزارة المالية إلى دخول شركة السودان للأقطان في شراكات مع شركات من القطاع الخاص يملك معظم أسهمها السيد “محيي الدين عثمان”، الخطاب بصورة إلى نائب رئيس الجمهورية المشرف على النهضة الزراعية، واتحاد مزارعي السودان، ومن حق أمانة النهضة الزراعية أن تفعل ما فعلته ولا تثريب عليها، تحرياً للحقيقة وحفظاً للمال العام.
{ رد اتحاد مزارعي السودان، وهو المالك الحقيقي لشركة الأقطان، في خطاب بتاريخ 16/1/2011، بتوقيع السيد “صلاح الدين المرضي” رئيس اتحاد المزارعين، يفيد فيه بأن شركة الأقطان هي (قطاع خاص)، وأن شراكاتها مع شركات (خاصة) مقتدرة أخرى هو (عمل إيجابي)، واستشهد رئيس الاتحاد في خطابه بنماذج لإنجازات تلك الشركات وما عاد من نفع وفوائد على المزارعين.
{ الاتهام في القضية يدور حول استغلال مبالغ التمويل وكيفية التصرف فيها، ولكن الاتهام أغفل معلومة مهمة لم يجب عنها، وهي أن شركة “متكوت” التي يملك غالب أسهمها السيد “محيي الدين عثمان” لديها بموجب العقد المبرم مع شركة الأقطان (50%) من أرباح العمليات الزراعية، علماً بأنه في مثل هذه الصفقات يفضل (الوسيط) جالب التمويل نسبة من جملة التمويل يتسلمها مقدماً و(بالدولار)، ولا شأن له بحساب الأرباح والخسائر، ورغم ذلك وافق “محيي الدين” على انتظار الغيب، والأمل في الربح القادم بعد عمليات زراعية معقدة!!
{ كم بلغت أرباح الموسم الأول علماً بأن عائداته كانت نحو (123) مليون دولار؟!
{ لماذا تم السكوت عنها، ولماذا لم تسلم شركة الأقطان جالب التمويل ما تم الاتفاق عليه، وبدلاً عن ذلك تذهب إدارتها إلى المحاكم شاكية من سوء تصرف في تمويل عاد عليها بملايين الدولارات، ومن حيث لا تحتسب!!
{ العدالة تقتضي أن تتم الإجابة عن السؤال: أين نصيب “متكوت” من أرباح الموسم الأول وكم تبلغ، وماذا تمثل بالنسبة لما عُدّ تجاوزات وتعلية في فواتير المدخلات؟!
{ ودعونا نسأل: مَن مِن رجال المال والأعمال في السودان جلب تمويلاً من الخارج بمبالغ هائلة مثل تلك التي جاء بها للبلد وللزراعة “محيي الدين”؟!
{ (مليار دولار) جاء منها أولاً (120) مليون دولار، ثم (250) مليون دولار محددة للدفعة الثانية، هذه أرقام تعجز أن توفرها لنا دول كبرى صديقة وشقيقة!!
{ لقد تعود (بعض) رجال الأعمال عندنا أن يستبيحوا أموال البنوك (المحلية)، أموال المودعين السودانيين، ولا يعيدونها، غير أن “محيي الدين”- ومن عجب- يأتي بأموال (دولية) ممنوعة من بلدنا، ومحرمة عليه، بموجب إجراءات الحصار والعقوبات الأمريكية، ويسخرها لصالح الإنتاج الزراعي، فإذا به يقتاد إلى المحاكم متهماً من قبل ذات الشركة التي استفادت من التمويل.
{ قرار المحكمة العليا تأكيد لما ظللنا نردده دائماً أن القضاء في السودان (عادل وراغب).
الهندي عزالدين – شهادتي لله
صحيفة المجهر السياسي