الحرب على الإرهاب.. معترك جديد

أصبحت الحرب على ما يسمى بالإرهاب هي البند الأول في سياسة كل حكومة أو إدارة أوربية أو أمريكية ، وأصبحت الموضوع الأول في كل حملة إنتخابية ، و لاشك أنه وبعد مقالة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب من أنه سيجعل مسح ما يسميه الإسلام الراديكالي الإرهابي من سطح البسيطه هي المهمة التي سوف يجند لها كل العالم فإننا على وعيد بمعترك جديد . بيد أن الرئيس الجديد يرتكب خطأً جسيماً عندما يعود إلى المصطلح المتروك الإرهاب الإسلامي ولو أسماه راديكالياً ، فقد تجنب زعماء العالم مؤخراً إستخدام أية صيغة تنسب الإرهاب لأية ديانة من الديانات أوثقافة من الثقافات ، واصطلحوا ولو بعد حين على إستخدام مفردتى “التطرف العنيف” مصطلحاً صكته الإدارة السابقة لدونالد ترمب وأصبح هو المصطلح المعتمد لدى الأمم المتحدة زالمنظمات الإقليمية جميعاً بما في ذلك الإتحاد الأفريقي.

بدءاً : هو ليس إرهاب بل إرعاب:

أول ما يجب أن يُقال إن أراد أحدهم نسبة الإرهاب إلى الإسلام أن يهدى إلى ما الذي تعنيه كلمة إرهاب في المصطلح القرآني الإسلامي . وقد لا يلام من يستخدم اللفظة الأجنبية بقدر ما يلام المعرب للمفردة الإنجليزية أو اللاتينية ، فالإرهاب في المصطلح القرآني ليس مرادفاً كلمة Terrorبل المرادف لها كلمة ترويع أو إرعاب. أما كلمة الإرهاب فتعنى إدخال الرهبة في نفس معتدٍ محتمل لردعه عن نيته في الإعتداء . والآية واضحة ساطعة ” وأعدوا لهم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم” فهى تعنى إعداد للقوة لا بقصد إستخدامها للترويع ، بل بقصد ردع من يريد إستخدام قوته ضد المسلمين ورده عن عدوانه ، أما بنكوصه عن نية العدوان أو بإستخدام القوة لرد عدوانه . أما الترويع فهو إستخدام القوة والمُثلة ضد الآمنيين من النساء والمسنين والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولايجدون سبيلا . فهو أمر بدا التشدد ضده في الشريعة الإسلامية، وجُعل جريرة يتبرأ الله منها ورسوله. أما نظرية التوجس الجديدة التي تتبناها منظمات تنسب نفسها للإسلام بل تعد نفسها الممثل الشرعي الوحيد للإسلام ، فهي نظرية مضادة للفكرة الإسلامية، بل إن أصول التوحش إنما تعود إلى الحروب الصليبية وإلى محاكم التفتيش التى إضطرت كثيرين للهرب إلى أصقاع قصية منها أمريكا . أما الإسلام فبرىء من ترويع المدنيين الآمنيين براءة تشهد بها تعاليمه ويشهد بها تاريخه الناصع وحضارته الإنسانية الزاهرة.

التطرف يلد تطرفاً :

لا شك أن ظواهر مثل السلفية الجهادية العنيفة المتمثلة في تنظيمات تجيز إستخدام العنف المفرط ضد الجميع ، وأول هؤلاء المسلمين قد وضعت نقطة سوداء على صفحة التسامح الإسلامي . وقد حركت في ذات الوقت مشاعر التحيز والتحامل والتعصب ضد الإسلام لدى كثير من المجتمعات الغربية . تلكم التي لم تعان من ظاهرة التطرف العنيف في الشرق الأوسط مثلما عانى أهله الذين كان ضحاياه منهم أضعافاً لا تعد نسبة لضحاياه من الأمم الأخرى ، ولكن خطر التطرف العنيف قد أحدث رداً للفعل متطرفاً هو الآخر يتغذى من فوبيا وتعصب راسخ في ثقافات غربية عديدة ضد الإسلام. ولئن كانت الأغلبية في الأوطان الغربية قد سلمت من الإصابة من الإسلاموفوبيا ، إلا أن الأقلية المتعصبة خلقت أجواءً من الإبتزاز لدى كثير من الدوائر السياسية والإعلامية تمثلت في إتخاذ الأخيرة مواقف متحاملة على الإسلام نفسه لا على إساءة تفسير تعاليمه بواسطة أقلية من أبنائه وبناته لا تتجاوز عشرات الآلاف من تعداد يزيد على مليار ونصف المليار من المسلمين . ولاشك أن تجاوزات هذه الأقلية قمينة بالإدانه والرفض من المسلمين وغير المسلمين ، ولكن إعتبار ما تقوم به جزءاً من حقيقة الإسلام ظلم فادح وخطأ جسيم لا يقع فيه إلا متعصب متحامل.

إن أخطر ما تصنعه ظاهرة التعصب المرتبط بتفسير عنيف لتعاليم الإسلام هي أنها تغذي ثقافة الكراهية لدى الطرف الآخر المستريب في ديانة الإسلام ، ثم تغذي كراهية الآخر للإسلام مكامن الكراهية لدى عدد أكبر من المسلمين لتلكم الطوائف المتعصبة المتحاملة وهكذا تنمو الدائرة الخبيثة دائرة الكراهية والتعصب والتحامل.

المجتمعات الراعية للإرهاب:

إن واحدة من المصطلحات التي أفرزتها الحرب على الإرهاب هو مصطلح (الدول الراعية للإرهاب)، وإستخدام كلمة دولة بدلاً من كلمة حكومة مقصود . فمعلوم أن الدولة تعني الشعب والإقليم والحكومة، بينما تعني الحكومة الإدارة السياسية للدولة فحسب. وإستخدام كلمة دولة مقصود بذاته لتفادي القول عن (مجتمعات راعية للإرهاب ) بيد أن هذه التورية في اللفظ لم تحدث في مجال الإجراء والفعل ، فالإجراءات ضد رعاة الإرهاب هي إجراءات ضد مجتمعات لا ضد حكومات. لأن متخذي هذه الإجراءات يؤمنون بأن مصدر الخطر هو المجتمع وليست الحكومة . ولئن كانوا يتوارون خلف مصطلح الدولة فإن مرد ذلك لكيلا يكون القول غليظاً ولئن كانوا لم يغلظوا القول فقد أغلظوا الفعل . فالمستهدف بالإجراءات وبالعقوبات هي الشعوب وليست الحكومات . وحرمان أفراد تلك الشعوب من كثير من حقوق الإنسان بدعوى أنهم من دولة راعية للإرهاب يجيء بسبب إتهام تلكم الشعوب بإنها محاضن للإرهاب ، وأن أي واحد منها هو إرهابي محتمل . فيا الله ما أفسد هذا المنطق وما أظلمه . فالمجتمعات عبر التاريخ مهما قد تكون رأت من جرائم القتل والإغتيال المريعة لم تذهب أبداً لاعتبار الشعب بسواده الأعظم مشتبهاً فيه ومجرماً محتملاً، ولكننا إعتدنا من بعض المستكبرين الظلم حتى تعودنا على عدم ملاحظة فداحته . لقد جربت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصنف شعوباً بأكملها فى خانة الأعداء وسبق لها أن أعتقلت كل مواطن أمريكى يابانى إبان الحرب العالمية الثانية لأنهم لدى تلكم الإدارات يقعون فى دائرة الإشتباه بالخيانة للوطن الذى عاشوا فيه لا يوجد سبب لذلك التصنيف والحكم الظالم إلا التوجس والتحامل والكراهية فماذا إستفادت أمريكا من ذلكم الدرس أم أنها مثل أسرة آل بوربون الملكية الفرنسية لاتتعلم من دروس التاريخ شئياً. وأخطر من تصنيف الشعوب الأخرى تصنيفا سلبياً شاملاً أن يعتاد الناس على تقبل هذه التصنيفات الشاملة لمجتمعات بأسرها ثم قد يتحول الأمر إلى تصنيف جماعات عرقية بالداخل تصنيفا سلبيا فيهدد تماسك المجتمع وتضامنه. أن الدستور الأمريكى قد تنبه لذلك الخطر فمنع منعا باتا التحامل على الأديان والأعراق ولكن هل تفلح الإدرات الحاكمة فى فهم الدستور والعمل بمقتضاه ؟
ولا شك عندي أن التشدد المفرط في منح مواطني من دول شرق أوسطية الحق في دخول الولايات المتحدة الأمريكية أو منعهم من ذلك منعا باتاً كما حدث عندما طرد المئات منهم من حمالى تأشيرات الدخول من المطارات وأعتقل بعضهم وعومل معاملة غير كريمة لهو وجه قاتم من وجوه التحامل والظلم . وهو إجحاف لا يبرره أيما منطق غير منطق أن السواد الأكبر من المسلمين أصبحوا مشتبه بهم وصاروا إرهابيين محتملين، ويتخذ مثل هذا القرار الجائر، رغم أن كل وجوه الترويع والإرهاب التي وقعت في أوروبا وأمريكا جاءت من مواطنين مقيمين بصفة المواطنة هنالك ، بل ان بعضهم هم الجيل الثالث من المهاجرين لتلك الأوطان .ولا أدرى إن كان أصحاب شورى الرئيس الجديد يدركون أنهم يعززون دعاية الجماعات المتطرفة العنيفة بأن الحرب على الإرهاب ليست إلا الكساء تتستر به حرب على الإسلام وأهله . وقد بدأ أولئك بالفعل إستثمار هذا القرار المجافى للحكمة والإنصاف وذلك بإتهام أهل الإعتدال بالتخاذل عن الدفع والدفاع عن الإسلام . وهاهى جبهة فتح الشام تشن حرباً لا هوادة فيها على جماعات معارضة مقاتلة فى سوريا بدعوى تخاذلها عن الدفاع عن الإسلام والأغرب من هذا أن بعض هذه الجماعات المقاتلة المعتدلة وضعت قيد درس الإدارة الأمريكية الجديدة لتصنيفها إرهابية، ليس لأن فكرها المعلن وعملها المشهود يدل على ذلك ولكن لأن أهل شورى الرئيس من ذوى الأيدولوجيات المتعصبة يرون أن كل من لا يوافق رؤيتهم لما يجب أن يكون عليه الفهم عن الإسلام فهو متطرف قمين بالتضمين فى قوائمهم للإرهاب . إن تلكم التصنيفات الظالمة و إرتاج الأبواب في وجه شعوب الشرق الأوسط المسلمة إلا القليل منها بدعوى حفظ الأمن أمرمجحف، وفوق ذلك فإنه فعل لايقصد منه توفير الأمن للأمريكيين بل هو أقرب للفعل الدعائي منه للفعل الوقائى . وينبيك ألإحتفاء الكبير لليمين الأوربى بهذا القرارات عن حالة وقوع السياسات الداخلية والخطابات الإنتخابية فى مستنقع التبارى فى التعصب ضد الأديان وضد الاعراق سبيلا للوصول للحكم ولا تعبر تلكم الخطابات عن تخوفات حقيقية وأنما يُتقرب بها إلى طوائف من المواطنين الذين تضخمت لديهم الإسلاموفوبيا حتى صارت داء عضالاً لا يؤثر فحسب على الحكم الرصين بل صارت تسمم المناخ الإعلامي والسياسي بأسره في تلكم البلدان وتهدد مناخات الحرية والتراضي الإجتماعي فيها.

د/ أمين حسن عمر

Exit mobile version