أخيراً طوينا خلاف “الانتباهة”

أخيراً وبعد سنوات من المعاناة والخذلان وخيبة الأمل التي لم أتجرع مثيلاً لها خلال سنوات

عمري الطويل طويت صفحة الخلاف الذي نشب بين أبناء الفكرة الكبيرة والمشروع الضخم المسمى (الانتباهة)، فالحمد لله رب العالمين .

ظللت أتلقى الدروس والعبر وأتقلب في الابتلاءات، لكن ما دهمني من بلاء عظيم في قضية (الانتباهة) كان أمراً آخر يعز وصفه والإحاطة بأبعاده وتشعباته.

رغم ذلك كله فقد تعلمت أن الخطب مهما عظم يمكن أن يحل بأيسر مما يحدثه دبوس صغير لتنفيس أنبوبة بمساحة الكرة الأرضية، وذلك درس آخر يعظم من شأن المبادرة والمبادرين فهم صناع التاريخ وقادة مسيرة البشرية.

بروف السيسي طبيب العيون الشهير وصاحب الحركة التي لا تهدأ والذي يذكرني بعبارة (رأس الحية المتوقد) ألقى على العمدة سعد عثمان العمدة سؤالاً عابراً عن الخلاف بينه والطيب مصطفى بشأن الانتباهة، فقال العمدة عبارة ربما قالها مراراً من قبل (أنا جاهز لأي مبادرة للحل) ..لكن شتان بين أن تقول ذلك لمبادر كبير مثل السيسي وتقوله للناس.

بالنسبة للسيسي كانت كل دقيقة تمضي تعني تأخيراً .. اتصل بي فور تلقيه التفويض ثم جاءني ثم جمعني بالعمدة في مكتبي مما كان أشبه بالمستحيل، ثم استشرت بعض قيادات منبر السلام العادل (مالك الانتباهة ومنشؤها) ثم لقاء آخر بالعمدة وثالث ورابع وخامس ..كل ذلك خلال ثلاثة أيام قد تنقص ولا تزيد وحدث الاتفاق واجتماع الجمعية العمومية لشركة (المنبر) المالكة للانتباهة وانتهت المشكلة وحلت بالتراضي.

من أكثر لحظات الرضا النفسي أنني قمت من داخل الاجتماع بإزالة خلاف بين (خصميّ القديمين) سعد العمدة وبابكر عبدالسلام، فسبحان مغير الأحوال وسبحان مقلب القلوب والأبصار، فمن منكم أيها الناس يعلم ما تنطوي عليه الأيام وما تسفر عنه صباحاتها وأمسياتها من مفاجآت؟.

صفقة التسوية لم أصب منها والله العظيم قرشاً واحداً إنما هي حق المنبر المالك لكل أسهم الانتباهة .. لكني أصبت طي صفحة مؤلمة وإزالة خلاف كبير أزال ما بيني وبين أخوة كرام.

اجتماع الجمعية العمومية ضم الأستاذين عبدالباسط سبدرات محامي الطرف المدعى عليه وعمر عبدالله الشيخ محامي المدعي.

الاستثمار وعقم الإجراءات

لم أدهش البتة للنقد القاسي الذي وجهه أحد المسؤولين السعوديين لحكومة السودان حين شكا مما سماه بـ(عقم الإجراءات التي تواجه الاستثمار في السودان) من جمارك وغيرها وطالب بتوحيد منافذ الإجراءات الاستثمارية في منفذ واحد فقد جفت حلوقنا ونحن نصرخ وننبه إلى أن مناخ الاستثمار في السودان لا يزال طارداً وزاجراً (ومطفشا) للمستثمرين رغم القوانين الصادرة والمؤتمرات والزيارات الخارجية التي يقوم بها المسؤولون السودانيون لتحفيز رجال المال والأعمال والغرف التجارية الأجنبية وترغيبهم في دخول السوق السوداني.

المسؤول السعودي الذي أطلق تلك الزفرة الحرى يسمى إبراهيم سعيد العمودي ويشغل منصب المدير التنفيذي لمصانع المدينة للكهرباء بالسعودية، فقد طالب الرجل في تصريحات صحافية بمعرض الخرطوم الدولي ، المنعقد هذه الأيام ، بإعمال (الشفافية والمصداقية) في التراخيص الممنوحة لهم كمستثمرين أجانب وبتذليل كافة العقبات التي تواجه الاستثمار الأجنبي.

مما أحزنني في وقت سابق أن إحدى الشركات السعودية الكبرى بلغ الغضب والغيظ منها ، وهي تحزم أمتعتها وتغادر السودان ، مبلغاً عظيماً دفع صاحبها إلى أن يعقد مؤتمراً صحافياً في أحد فنادق الرياض شن فيه هجوماً كاسحاً على مناخ الاستثمار وحذر المستثمرين السعوديين من دخول السودان.

أقول هذا بين يدي الخبر الذي نشر على لسان وزير الاستثمار (النشط) مدثر عبدالغني والذي أكد أنهم بدؤوا بالفعل في تطبيق نظام النافذة الواحدة، لكن أقسم بالله أن ذلك القول ظللنا نسمعه منذ أن كنا في العمل التنفيذي (الوزاري) قبل ما يربو على 15 سنة، فما الجديد هذه المرة؟.

أقولها بصدق إن مناخ الاستثمار لن ينصلح حاله بدون حزمة متكاملة من الإجراءات التي ينبغي أن تعكف عليها كل مؤسسات الدولة على المستوى المركزي والولائي، وأعلم تماماً أن كل المطلوبات محفوظة(صم) للوزير الشاب، ولكن هل يستطيع الرجل أن يُملي إرادته على الجميع بما يزيل المعوقات المنتصبة أمامه كالشيطان الرجيم تصد المستثمرين وتدفعهم دفعاً للمغادرة بعد أن (يكرهوا) في السودان المتعطش للاستثمار؟.

الآن وقد رفع الحصار الأمريكي والأوروبي عن السودان فقد حدث انفراج وتغيير إيجابي معتبر في الأوضاع الاقتصادية وأزيحت إحدى أكبر مشكلات الاستثمار المتمثلة في تحويل الأموال إلى الخارج بعد أن مكنت المصارف السودانية من التواصل مع البنوك العالمية، وتبقى رفع القيود أمام الشركات الكبرى خاصة لتحويل أموالها وليت الحكومة تعطي هذه القضية أولوية باعتبارها من أكبر العوائق، فكيف لمستثمر أن يُدخل أمواله بدون أن يُمكّن من إخراجها؟

هناك مشكلات أخرى تعلمها وزارة الاستثمار من بينها الفساد الضارب الأطناب خاصة من موظفي القطاع العام وطلب العمولات والعطايا (والكوميشنات) في مقابل تيسير الإجراءات مع وجود كم هائل من العقبات التي تعوق تطبيق نظام النافذة الواحدة الذي تحدث عنه الوزير مما يبطيء الإجراءات الحكومية ويحول دون الوفاء بالعقود والتعهدات وليت وزارة الاستثمار تطلع على التجربة الأثيوبية باعتبار أن اثيوبيا لا تختلف عنا كثيراً ولا أقول الماليزية التي ربما يصعب علينا التأسي بها ذلك أنه من المستحيل للثرى أن يبلغ مقام الثريا.

الحديث ذو شجون عن الاستثمار الذي يعتبر من أهم قاطرات النهضة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهلا منح القطاع الاقتصادي الوزاري قضية الاستثمار اهتماماً خاصاً ووضع عنها إصرها والأغلال التي تمسك بخناقها؟.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version