تطلعت المعارضة المسلحة او ما تسمى الجبهة الثورية لإسقاط الحكومة عبر «نداءاتها» مثل:«نداء السودان وبرلين» التي وقعتها مع القوى السياسية والحركات المسلحة، الا ان جدران تلك الاتفاقيات سقط عليها واحدث انقساماً كبيراً داخلها، حيث اختلفت العديد من القوى السياسية المعارضة مع بعضها خاصة الخلاف العميق بين عرمان
والحلو لمشاركة عرمان في اجتماعات برلين دون موافقة القيادات في عام 2014م، وكانت دفوعات الحلو حينها التشكيك في الإمام الصادق المهدي واعتباره شخصية دخيلة عليهم، وانه جاء لتفتيت وتفرقة الجبهة الثورية، وما يحير فى شأن قيادات الجبهة الثورية أنها ترسخ انطباعاً سياسياً يتمثل فى عدم اجادتها التحالف في حده الأدنى، وتتخذ لنفسها مسمى سياسياً حتى تنشب الخلافات العميقة، وقضت القوى السياسية حتى الآن أكثر من ربع قرن من الزمان وهي في حالة تشرذم وتنافر حتى حيال القضايا الوطنية التي لو توحدت فقط قوى المعارضة في التعاطي معها لتغيرت وجهة التاريخ في السودان.
وجه الأزمة
هل يمكن أن تمثل تلك المكونات الثورية حلاً لمشكلات السودان؟ إن مأساة الأحزاب المعارضة أنها وجه العملة الآخر للأزمة السياسية السودانية، لرفضها وابتعادها عن القضايا الكلية وبحثها عن مستقبل سياسي في العواصم الاوربية! فتجدد الخلافات والمواجهات بين قيادات الجبهة الثورية اصبح امراً عادياً، حيث دارت العديد من الصراعات بين حركات دارفور وقطاع الشمال حول مناطق جبال النوبة اثارت الكثير من الجدل داخل الجبهة الثورية. وقال الحلو خلال مخاطبته قيادات الجبهة الثورية «ان حركة العدل والمساواة حضرت لجبال النوبة كنفير وليست لديها حقوق في المنطقة». ولم يكن هذا الخلاف الاول، حيث اختلفت حركات دارفور وقيادات قطاع الشمال حول رئاسة المجلس للدورة الجديدة بالجبهة الثورية وتكوين الهياكل، وقدم مقترح لفصائل الجبهة بتولى جبريل إبراهيم رئاسة المجلس القيادي للجبهة الثورية بدلاً من مالك عقار الذي انتهت ولايته بعد أن حددها النظام الأساس للجبهة بسنة واحدة، ونقل ياسر عرمان المقترح خلال اجتماع عقده مع قيادات فصائل دارفور داعياً إلى التوافق على ترشيح جبريل، وهو ما أثار حفيظة أركو مناوى وعبد الواحد محمد نور، فيما هدد مناوى بالخروج من الجبهة الثورية في حال الإصرار على ترشيح جبريل لرئاسة التحالف، باعتبار أن حركته لها القدح المعلى في العمليات العسكرية التى تقودها الجبهة ضد الحكومة، بالاضافة الى اعلان قيادات ميدانية بحركات دارفور رفضها القاطع لما سمته أجندات الحركة الشعبية التي تسعى لتنفيذها من خلال الجبهة الثورية باستخدام القوة العسكرية لحركات دارفور كوقود للحرب، مشيرين إلى أنهم لن يسمحوا لأية جهة باستخدامهم كآليات حرب لتنفيذ مخططات لا صلة لها بقضية الإقليم، وهددوا باتخاذ مواقف جماعية حال تمسك قيادة الجبهة الثورية بمواقفها التي تخدم استراتيجيات أجنبية مقابل الدعم والمأوى، ضاربين بالمطالب عرض الحائط، وهي التي حملت حركات دارفور السلاح من أجلها.
نشأة الخلاف
المتابع لبذرة الخلاف يجد أن الخلافات نشأت منذ عام 2012م حول رئاسة الجبهة، عندما قررت قيادة التحالف انتقال الرئاسة إلى إحدى الحركات الدارفورية وترشح جبريل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ومني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، وأقرت القيادات بأنه في حال تنازل أحدهما فستؤول الرئاسة إلى الآخر، أو يستمر الرئيس الحالي مالك عقار سنة إضافية إلى حين تعديل الدستور لاختيار رئيس الجبهة عبر الانتخاب، وكشف المسؤول ذاته أن حركات دارفور توافقت وتنازل مناوي لجبريل، لكن الحركة الشعبية قطاع الشمال رفضت خلال اجتماع عقد في العاصمة الفرنسية باريس تسليم رئاسة «الجبهة الثورية» بحجة أنها تملك حق الاستمرار في المنصب حتى يونيو من العام نفسه، موعد انتخاب رئيس جديد، لكن تطاولت السنوات دون الوصول الى صيغة تفاهم او حلول وسطية بين مكونات دارفور وقطاع الشمال حتى (19) من هذا الشهر بعد عقد الاجتماع في باريس واختيار عقار رئيساً للمرة الثانية، مما ادى الى انشقاق كبير وسط صفوف الجبهة، باعتبار أن حركات دارفور رأت أن قطاع الشمال يريد السيطرة على رئاسة الجبهة واستخدامها في الحرب وقوداً فقط، مع الحفاظ على توجهات قطاع الشمال في العداء ضد الحكومة، مما قاد الى تنازع القيادات فيما بينها ووصل الى استقطاب حاد بين أطراف «الجبهة الثورية» بتمسك حركات دارفور بتنصيب جبريل فوراً كمطلب اساسي، وفي المقابل أصرت «الحركة الشعبية» و «الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة» برئاسة زينب كباشي عيسى ونصر الدين الهادي، على ضرورة الإبقاء على الوضع الحالي، وتصاعدت حدة الاستقطاب والاحتقان بعد الخطوات الفردية لقطاع الشمال بإبعاد حركات دارفور عن حقها الدستوري وفق النظام الأساس للجبهة في رئاسة التحالف.
تحول جوهري
يبدو أن الأيام القادمة ستشهد تحولاً جوهرياً داخل الجبهة الثورية بعد الخلافات المتفاقمة بين قادة التمرد التي تشير إلى أن تلك القيادات قد اقتربت من حافة الانفجار والمفاصلة، خاصة أن التعديل في النظام الاساس أثار جدلاً كثيفاً مما ادى الى مواجهات عنيفة وتهديد ووعيد بين قادة الحركات، الأمر الذي ينذر بانفجار وشيك داخل الجبهة الثورية، إلا أن العديد من المراقبين اتفقوا على ان هذه الخطوة تمثل تهديداً لتشتت وانهيار الجبهة الثورية، حيث قال المحلل السياسي دكتور اسامة زين العابدين لـ (الإنتباهة) إن عقار لا يملك الكاريزما التي تؤهله لاتخاذ قرار يفصل بحيادية بين تلك المكونات ولم شملها، وان ما حدث كان متوقعاً منذ نشوب الخلاف الاول والجبهة لم تكن اكملت عاماً بعد انشائها، واعتبر ان ذلك يمثل توجهات وأجندة يتبعها قطاع الشمال ولا علاقة لحركات دارفور وبعض الاحزاب السياسية المنضوية تحت لواء الجبهة بالامر سوى انها «حطب وقود» لإشعال الحرب، وتوقع رئيس مجلس حركات دارفور المهندس آدم علي شوقار في حديثه لـ (الإنتباهة) ان تؤدي هذه الخلافات إلى انفضاض مكونات الجبهة الثورية في ظل قرار وتمسك الحركة الشعبية بتجديد الثقة في عقار ورفض حركات دارفور من واقع أحقيتهم في الرئاسة، مؤكداً أن فصائل دارفور أخطأت بتقاربها مع الحركة الشعبية التي استغلت أبناء دارفور ومررت عبرهم أجندتها وحققت أهدافها في انفصال الجنوب ومازالت تستغلهم لتحقيق أهدافها حتى الآن. وأبان شوقار أن الجبهة الثورية مكونة من عدة متناقضات لا يوجد بينهم أي قاسم مشترك، مطالباً متمردي دارفور بالبحث عن طريقة مثلى لحل مشكلاتهم بعيداً عن الانخراط في كيانات لا تخدم قضيتهم في شيء.
الانتباهة