القصة الكاملة مقتل الدكتور عربي..سنار تهتز

ظهيرة الخميس الماضي كان موظف الاستقبال بمجمع العركي الطبي – والذي يقع في شارع الدكاترة بمدينة سنار – مهموماً بتسجيل حالات المرضى من الجنسين أو إتاحة الفرصة لمن كانت لهم مواعيد مسبقة مع د. مبارك آدم عربي اختصاصي الأمراض التناسلية والعقم، وظهر بين الحضور شاب أربعيني فارع الطول جاء من إحدى قرى غرب سنار تقول قسمات وجهه إنه يبحث عن شيء ما، ويبدو شارد الذهن من بين الحضور لا يلقى أدنى التفاتة حتى إلى جهاز التلفاز الذي أمامه لكن حالة التململ تزداد عند الرجل كلما قرب دوره من مقابلة الطبيب (مبارك) وما هي لحظات حتى جاء دوره لتتحول قاعة الطبيب إلى عراك وشجار استطاع الجاني (أ،أ،) تنفيذ جريمته وسط دهشة الحضور وعجزهم في التصدي له لأن الغرفة كانت محكمة الإغلاق وتجري محاولات لإسعاف الطبيب إلا أن يد المنون كانت أسرع، عندها ضجت المدينة وتحركت صوب مستشفى سنار لإلقاء النظرة الأخيرة على رجل عرف بأنه إنساني من الطراز الأول وفوق ذلك فهو مهني عشق مهنة الطب، وجعل من عيادته قبلة لكل من يبحث عن حل لمشكلات الأمراض الجنسية والعقم.
وتقول الرواية أن الجانى أخذ يتردد كثيراً على الطبيب لجهة أنه يعاني من مرض جنسي، ولم يتم علاجه فذهب للعاصمة وقابل أحد الأطباء هناك وهمس ذاك الطبيب في أذنه وأفصح له أن العقاقير التي تناولها بوصفة طبية خاطئة من المجنى عليه تسببت له في عقم دائم .. الأمر الذي بحسب ما نقل عن الجاني تسبب له حالة نفسية بعد ازدياد مرضه واستحالة علاجه وقد اعترف الجاني بارتكابه الجريمة متعمداً ومن الواضح أنه بهذه الكلمات التحريضية تسبب هذا الطبيب دون رغبة منه في قتل زميله لذا وجب على نقابة الأطباء محاسبة منسوبيها.
أين أخلاقيات المهنة
يقول اختصاصي النساء والولادة سامر عبد الرحمن قرشي للصيحة للأسف يلجأ إلى التقليل من شأن الآخرين من أصحاب المهنة نفسها وفق سرحان، وهذا أسلوب لا يليق بأخلاقيات المهنة مهما كانت، ومهما كان صاحبها وقدراته وكفاءته، فالأصل أن الآخر هو الذي يحكم على صاحب المهنة وألا يلجأ إلى تزكية نفسه وتسويق ذاته من خلال الطعن في الآخرين وقدراتهم وخصوصاً في القضايا التي يمكن أن تنطلي على الآخرين من المتعاملين، وتنص واجبات الطبيب نحو زملاء المهنة على أن هناك عدة محاور تدور حولها آداب المهنة وواجباتها، وهي: المريض، والمجتمع، والمهنة ذاتها، ولا بد من الإشارة إلى محور آخر لا يقل أهمية عن سابقيه وهو محور زملاء المهنة.
ونصت مواد نظام مزاولة المهن الصحية على أنه: (يجب أن تقوم العلاقات بين الممارس الصحي وغيره من الممارسين الصحيين على أساس من التعاون والثقة المتبادلة)؛ وما ذلك إلا لأن الأطباء – بتنوع اختصاصاتهم الطبية – متكافلون فيما بينهم على رعاية صحة المجتمع وصحة أفراده, فالطبيب لزملاء مهنته جمعٌ وإضافة وتعاون لصالح المريض والمجتمع، ومقتضى ذلك أن يدرك الطبيب أن هناك آداباً وواجبات ينبغي مراعاتها أثناء تفاعله مع زملاء المهنة.
فى سوح مستشفى سنار وبكلمات باكية ودموع غزيرة على فقد أستاذها على يد أحد الجناة بسكين الغدر صرحت للصحيفة الدكتورة درية أحمد: نريد التنافس الشريف بين أصحاب المهنة الواحدة وأن يتركوا الحكم والتقييم للمستفيد، وعدم اللجوء إلى الإساءة أو التجريح أو التشهير، حتى وإن كان ذلك في ظاهر الأمر يساهم في جلب مزيد من الزبائن لصاحب المهنة، فالأصل أن تكون أخلاقيات المهنة فوق كل اعتبار، كما أن وعي الطرف الآخر وهو(الزبون) المتعامل مهم في مثل هذه الأمور بأن لا يفتح المجال لأمثال هؤلاء للإساءة إلى الآخرين”.
وتضيف: يمكن لصاحب المهنة أن يشعر المتعامل بخطأ الآخر دون أن يصرح بذلك من خلال تقديم الخدمة الصحيحة والمتميزة، والقناعة بأن الأرزاق من عند الله.
واجبات ومحظورات
وزاد إن من أهم واجبات الطبيب في هذا المجال هو حُسْن التصرُّف مع زملائه ومعاملتهم كما يحب هو أن يعاملوه به، وأن يبني علاقته بهم على أُسُس الأخوة، والمحبة، والاحترام، والثقة المتبادلة وعلى الطبيب أن يتجنب النقد المباشر للزميل أمام المرضى مهما كانت مبرراته، إذ من شأن ذلك أن يضرَّ بالمريض قبل الطبيب، والنقد العلمي المنهجي النزيه لا يتم أمام المرضى بل في الاجتماعات الخاصة واللقاءات العلمية والمؤتمرات الطبية والمجلات العلمية. وأربأ بالطبيب الذي يخاف الله أن يكون دافعه لنقد زميله أمام المريض الحسد المقيت أو صرف الناس عن الزميل.
وفي هذا الإطار يقول معتمد سنار الأسبق فخر الدين يعقوب: لا أعلم لماذا نذم أداء وعمل الآخرين من ذات المهنة، بينما نستطيع إثبات أنفسنا وقدرتنا على العمل في المهنة دون اللجوء لهذا السلوك السلبي، وأعتقد أن من يذم غيره ليس لديه ثقة كافية بنفسه وبعمله” فليس النقد في القطاع الصحي فقط، النقد صار منهجا كل فاشل في كل موقع كل ينتقص من الآخر .
زملاء المهنة في القطاع الخاص
لقد نص كتاب (أخلاقيات مهنة الطب) على أنه من المستحسن أن لا يتقاضى الطبيب أتعاباً مقابل علاج زملائه الأطباء إلا إذا سددها طرف ثالث. وبما أن طب الأسنان – بشكل عام – مكلف نوعاً ما، وربما تطلب عدداً غير قليل من الزيارات، فلا حرج في أخذ تكلفة العلاج فقط.
لا يجوز للطبيب أن يسعى لمزاحمة زميل له بطريقة غير شريفة، ويحظر على الممارس الصحي: (محاولة اجتذاب المرضى الذين يعالجون لدى زميله، أو العاملين معه، أو صرفهم عنه بطريق مباشر أو غير مباشر). أما في حالة كون المريض عازماً على الاستغناء عن الطبيب الأول فيحسن بالطبيب الثاني التأكد من إعلام الطبيب الأول بذلك.
يضحك صلاح قلاديمة مدير الثقافة والإعلام بسنار ساخرًا ويقول “من المستحيل أن ترى طبيباً يمدح غيره من الأطباء بذات التخصص، ولكن ليس المطلوب مدحه بل احترامه كونه ينتمي لذات المهنة، وهذا الحال ليس فقط عند الأطباء أو المهندسين أو المعلمين بل نرى العديد من الأشخاص يقللون من معرفة أو شأن غيرهم بذات المهنة أمام الآخرين”. الجدير بالذكر أن المقتول ممن عرفوا بالحذاقه والعلم، كان الفقيد منارة للعلم ومثالاً في الأدب والشهامة والكرم وممن له باع في مجال تخصص الجلدية لما يقارب الـ 20 عاماً، شارك في العديد من المؤتمرات وعمل محاضراً بجامعة سنار.

الصيحة

Exit mobile version