لا أحتاج إلى أن أعبّر عن سعادتي الغامرة بعودة الإمام الصادق المهدي إلى حضن الوطن، فقد ظللنا نطالب ونلح في الدعوة إلى عودته اقتناعاً منا بالفراغ السياسي الكبير الذي خلّفه غيابه ولأهمية وجوده في الساحة للدفع باتجاه تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي الذي ظللنا نُدندن حوله آناء الليل وأطراف النهار .
كنا على الدوام نطالب بإحسان التعامل مع المهدي باعتباره أحد رموزنا الوطنية البارزة، فقد اعترضنا على المعاملة القاسية التي تعرّض لها لمجرد إبدائه رأياً لا يتفق مع الحكومة مما أدى إلى خروجه وغيابه المؤلم عن وطنه الغالي، وكنتُ ولا أزال لا أرى في الساحة السياسية بين قوى المعارضة جميعها من هو أجدر منه بالاحترام والتقدير لسببين اثنين أولهما أنه الأكثر شعبية وقبولاً وتأثيراً من بين رموز المعارضة السودانية، وثانيهما لأنه الأكثر خبرة في التعاطي مع الأزمة السودانية والأوفر ديناميكية ونشاطاً بين قيادات القوى السياسية.
لا يصدني عن قول هذه الحقائق اختلاف الرأي المصادم أحياناً حول بعض القضايا الوطنية أو قيادتي لحزب سياسي آخر (منبر السلام العادل) يحمل رؤى مختلفة عن طروحات المهدي الفكرية والسياسية فنحن نحتاج إلى الصدع بما نعتقده حقاً بدون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم.
لعلَّ ما يشد المرء إلى خطاب المهدي السياسي أنه يتحلّى بمرونة كثيراً ما تدفعه إلى التمرد على (الصندوق) الذي يريد حلفاؤه إبقاءه في جُبّه وسجنه اللعين، ولذلك سعدتُ أن يُعلن المهدي عما سماه بالاختراق الوطني بينه وبين بعض القوى المعارضة (يقضي بعدم إسقاط النظام بالقوة أو تقرير المصير لأية منطقة والعمل بلا عنف لتحقيق الأهداف السياسية).
أقول للإمام إنك وصفتَ العلاج الناجع، ولا أظننا سنختلف في بقية القضايا طالما أنك أعلنت عن رفضك لإسقاط النظام بالقوة، ذلك أننا ظللنا نُحذِّر من المآلات المخيفة التي لا نزال نراها تُدمدم وتُزمجر وتشتعل في محيطنا الإقليمي سيما وأن بلادنا أكثر هشاشة من دول تتقلّب الآن في نيران الحرب الأهلية بالرغم من أنها كانت أكثر تماسُكاً وتوحُّداً وأمناً واطمئناناً ومعاشاً من بلادنا المأزومة.
قال الإمام الصادق المهدي في خطبة الجمعة الفائتة (لا يمكن أن نسمّي ما اتفق عليه بعض الناس حلاً للبلاد، والحرب مستمرة والجسم السياسي منقسم). وطالب (بوقف الحرب وتوحيد الكلمة بصورة قومية).
لن أجُادل المهدي فيما قال، ولا يمكن أن ننكر أن الحرب لم تتوقف طالما أن بعض حركات دارفور وقطاع الشمال لا يزالون يرفضون التوقيع على وقف إطلاق النار، كما لا يمكننا أن نزعم أن الحوار شامل ويضم جميع القوى السياسية بالرغم من أنه يضم غالبها ولكن ..
ألا يتفق المهدي معناً أن معظم حركات دارفور والمقاتلين قد وضعوا السلاح ولا يمثِّل الرافضون لوقف الحرب إلا نسبة ضئيلة للغاية من مجموع المقاتلين، وأن دارفور الآن تختلف كثيراً عنها قديماً عندما كانت الحركات المنخرطة في الحوار الآن، والتي تتجاوز الثلاثين، حاملة للسلاح؟ لماذا، أخي الحبيب، يصر جبريل ومناوي وعبد الواحد (مستر نو) على رهن قضية دارفور لقرارهم رغم علمهم أنهم ما عادوا يملكون عُشر معشار ما كانوا عليه من قوة عسكرية وسياسية في أيام سالفات؟ ألا يعلم المهدي أن شراذم المتمرّدين تحوّلوا إلى مرتزقة في دول الجوار يبيعون أرواحهم وسلاحهم وقضيتهم لقاء حفنة دولارات؟! ألم تقرأ ما قاله المبعوث الأمريكي دونالد بوث عن المتمردين جميعاً الذين تمنعهم العزة بالإثم وتقديم حسابات الأنفس الشح على مصالح الوطن من العودة إلى بلادهم رحمة بشعبهم الذي قتلوه ومزَّقوه وشرَّدوه ورحمة بوطنهم الذي أرهقوه وعوَّقوا مسيرته وشوَّهوا سمعته بين الأمم بدون أن يسألوا أنفسهم: من فوّضهم ليخوضوا الحرب باسم مناطقهم وشعوبهم وليقتلوا المواطنين ويشردوهم بينما أبناؤهم هم وأطفالهم ينعمون بالعيش الرغيد والتعليم الجامعي في الخرطوم وعواصم العالم؟!
أما عرمان وحركته الشعبية وجبهته الثورية فقد والله علمت أيها الحبيب ما يحملونه لك من بُغض تعرفه في لحن القول بل وفي الكلام (العديل) الذي لطالما هرف به عرمان وفي الأشرطة المسربة من سكرتيره وكاتم سره مبارك أردول.
أخي الحبيب .. الآن وقد عدتَ إلى حضن وطنك أرجو أن تنفض يدك عن هؤلاء خاصة وأنك تعلم أن خيارهم الأوحد يتمثّل في إسقاط النظام بالقوة والذي أعلنتَ أنك لستَ من أنصاره.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة