أسهمت التقلبات العديدة التي مر بها اقتصاد البلاد، خاصة في السنوات الست الأخيرة، في تذبذب أسعار الصرف، لحد يرى فيه اقتصاديون ومختصون أن سعر الصرف بات من أصعب المهام التي تنتظر البنك المركزي.
قبل نحو شهرين، وفي خطوة توصف بالإيجابية أعاد البنك المركزي العمل بسياسة الحافز لاجتذاب النقد الأجنبي من السودانيين العاملين بالخارج ومن المصدرين، إذ أوعز إلى البنوك وشركات الصرافة شراء العملة الأجنبية بأسعار تطابق أسعار السوق الحرة، ويرى البنك المركزي في توجهه نحو الخطوة أنها ذات فوائد على سعر الصرف، وتوفير المزيد من النقد الأجنبي للمصارف، وحينها صدر بيان رسمي عن البنك المركزي، يشير إلى أن نظام الحافز سبق أن طبق في عام 2010، وكانت من أكثر الأوقات جذبًا وحشداً للموارد من السودانيين العاملين بالخارج وغيرهم.
ويرى خبراء ومصرفيون أن مبلغ الحافز يجعل أسعار الشراء مجزية ومتطابقة مع أسعار السوق الحر. والثابت أن ذلك الأمر يأتي في إطار المراجعة المستمرة لسياسات البنك المركزي في إدارة سعر الصرف المرن المدار، بغرض جذب مزيد من الموارد ولتوحيد استغلال واستخدام هذه الموارد بواسطة المصارف والصرافات في أوجه الاستخدام المسموح بها.
عقابيل التغييرات التي حدثت بعد رفع الحظر جزئياً عن البلاد، بدأت المصارف والبنوك التجارية في استلام النقد الأجنبي من القطاعات الاقتصادية والشركات المستوردة، وتبدو التوقعات راجحة بأن ذلك أسهم في مسارعة البنك المركزي بتخفيض السعر الرسمي للعملات الأجنبية وتخفيض نسبة الحافز بعد التحسن الذي طرأ على أسعار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية خاصة وأن هنالك مشكلة تتمثل في تعمد نسبة كبيرة من المغتربين تحويل أموالهم إلى داخل البلاد عبر السوق الموازي تجنباً للفارق الكبير في أسعار العملات الصعبة بين النظام الرسمي والسوق الموازي.
ويرى الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل أن انخفاض الدولار نتيجة لأسباب نفسية وزيادة عرض الدولار في السوق الموازي في القترة القليلة التي أعقبت القرار، لجهة أن السودانيين توقعوا انخفاض سعر الدولار بعد إزالة الحصار عن السودان، لافتاً في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن زيادة العرض لم تأت هذه المرة من الحكومة، وإنما جاءت من المواطنين الذين تخوفوا مما سوف يحدث وتوقعوا انخفاضاً في الدولار لذلك عرضوا ما عندهم من دولار قبل أن يتعرضوا لخسارة كبيرة، وأضاف: إذا عادت الاستثمارات السودانية من الخارج التي تقدر بمليارات الدولارات عبارة عن استثمارات وأموال سودانية في الخارج سواء في ماليزيا أو تركيا أو مصر أو أثيوبيا إضافة إلى دولارات المغتربين في هذه الحالة يكون هنالك احتياطي من العملات الحرة كافية لخفض سعر الدولار، وقال: في حال لم تعد هذه الأموال المهاجرة وفي الدول الخارجية يبقى الوضع قائماً مما يعني عدم وجود احتياطي كبير من النقد الأجنبي الأمر الذي يجعل انخفاض الدولار انخفاضاً مؤقتاً، مبيناً أن الانخفاض بعيد المدى يعتمد على احتياطي كافٍ من العملات الحرة، وتابع: (واضح أن بنك السودان المركزي ليس لديه احتياطي من العملة الحرة ما يعادل 10 -15 مليار دولار)، مشيراً إلى أن بعض الاستثمارات الصغيرة يمكن أن تدخل البلاد من الآن إلا أن الاستثمارات الضخمة سوف تنتظر حتى ينجلي الوضع لإثبات جدية الحكومة، ورهن ارتفاع سعر الدولار مجدداً على حسب كمية الاحتياطي لبنك المركزي، وفي حال عدم وجود احتياطي كبير يسيطر به على السوق سوف يعاود الدولار قطعاً الارتفاع مرة أخرى.
وفيما يتعلق بفك الأرصدة المجمدة قال المهل إن هنالك عدم وضوح في حجم هذه الأرصدة وقال إن أي رقم أقل من مليار يؤثر في سعر الدولار، ولكن في فترة قصيرة جدًا لا تتجاوز الأسبوعين، لكن في حال وعد صندوق النقد الدولي بإعطاء الحكومة قرضاً بـ3 أو 4 مليارات دولار، فسوف يكون لها أثر كبير.
وتشير المحاضرة بجامعة الجزيرة، وأستاذة الاقتصاد، د. إيناس إبراهيم إلى إمكانية تدفق رؤوس أموال كبيرة مما يصب في مصلحة زيادة مواعين التمويل في حال فتح فروع لبنوك ومؤسسات أجنبية بالبلاد، وقالت إن هذه الفروع لا تأتي في شكل ودائع وإنما برأس مال كبير وتكنولوجيا جديدة معتبرة أن ذلك إن حدث بالفعل سيمثل إضافة كبيرة للقطاع المصرفي والبلاد بشكل عام.
الراجح، وبحسب الشواهد، أن سوق النقد وما يتعلق به من سياسات متوقع أن تحدث به تغيرات متعددة، تماشياً مع المرحلة الجديدة، وليس أدل على ذلك من إشارة بعض التقارير عن تسلم بعض البنوك كميات كبيرة من النقد الأجنبي وهي كميات لم تكن لتحدث في السابق بسبب العقوبات الاقتصادية، ومهما يكن من أمر، فإن البنك المركزي مواجه بتحدِّ يتمثل في كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة وتوظيفها في مصلحة تثبيت سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة