في كتابه “الاقتصاد: دليل المستخدم” حاول الاقتصادي الكوري الجنوبي “ها جون تشانغ” تصحيح عدد من المغالطات المترسخة في ذهن كثيرين حول الاقتصاد، ونستعرض في ذلك التقرير أهم 10 نقاط تناولها الكتاب الذي نشر لأول مرة في مايو/أيار عام 2014، حسب ارقام:
1- الاقتصاد يسمى في الأصل “الاقتصاد السياسي”: الاقتصاد هو السياسة، ولا يمكن أن يكون أبداً علما، ففي أواخر القرن الـ19 تمكنت المدرسة الكلاسيكية الجديدة من استبدال مصطلح “الاقتصاد السياسي” بالاسم المتعارف عيه الآن وهو “الاقتصاد” متأثرة بكتابات “ألفريد مارشال”، حيث أرادت أن يصبح الاقتصاد من العلوم البحتة، وأن يتم استبعاد الأبعاد السياسية (وبالتالي الأخلاقية) التي تنطوي على أحكام قيمية ذاتية، في خطوة تعتبر سياسية في حد ذاتها.
2- جائزة نوبل في الاقتصاد ليست جائزة نوبل حقيقية: خلافاً لجوائز “نوبل” الأصلية (الفيزياء، الكيمياء، علم وظائف الأعضاء، الطب، الأدب، والسلام) التي أسسها رجل الصناعة السويدي “ألفريد نوبل” في نهاية القرن التاسع عشر، تم تأسيس جائزة “نوبل” في العلوم الاقتصادية من قبل البنك المركزي السويدي في عام 1968، وتسمى رسمياً جائزة “سفيرغيس ريسكبانك” في العلوم الاقتصادية.
انتقد عدد من أفراد أسرة “ألفريد نوبل” البنك المركزي السويدي أكثر من مرة بسبب إعطائه للجائزة لاقتصاديي السوق الحرة، مشيرين إلى أن رجل الأعمال السويدي الراحل لم يكن ليوافق على ذلك الأمر.
3- لا توجد نظرية اقتصادية واحدة يمكنها تفسير اقتصاد سنغافورة: هذا ما يسميه بعض الاقتصاديين “مشكلة سنغافورة”، فربما أتيحت لك الفرصة للقراءة حول النجاح الاقتصادي اللافت لتجربة سنغافورة في “الإيكونوميست” أو “وول ستريت جورنال”، وبالتأكيد قرأت شيئا عن التجارة الحرة في البلد الآسيوي وموقفه الترحيبي بالاستثمارات الأجنبية فقط.
لكنك ربما لم تسمع أبداً أن تقريباً جميع الأراضي في سنغافورة مملوكة من قبل الحكومة، وأن حوالي 85% من المساكن يتم توفيرها من خلال المؤسسة العامة للإسكان التابعة للحكومة، في حين أن الشركات المملوكة للدولة تنتج حوالي 22% من الناتج المحلي للبلاد، مقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 9%.
لذلك، لا توجد هناك نظرية اقتصادية واحدة يمكنها أن تفسر بمفردها نجاح سنغافورة، حيث إن اقتصادها يجمع بشكل مذهل ومعقد في نفس الوقت بين خصائص الرأسمالية والاشتراكية.
4- بريطانيا وأمريكا هما من اخترعا “الحمائية” وليس التجارة الحرة: في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر كانت بريطانيا هي الاقتصاد الأكثر حمائية في العالم الرأسمالي، حيث اتبعت في ذلك الوقت سياسة اقتصادية تهدف إلى تقييد التجارة بين الدول، من خلال رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، وتحديد كمياتها، وذلك في سعيها إلى تثبيط الواردات، ومنع المنافسين الأجانب (هولندا وبلجيكا) من الاستيلاء على الأسواق المحلية.
– الولايات المتحدة ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قام “ألكسندر هاملتون” وزير الخزانة الأول للولايات المتحدة بوضع نظرية تسمى “حجة الصناعة الوليدة” والتي تعتبر واحدة من بين أقوى الحجج الاقتصادية التى تدافع عن الحمائية، بوصفها إجراء مؤقتا يتيح للصناعات الناشئة أن تتطور وتصبح مستعدة لمواجهة المنافسة الدولية.
5- مفهوم التجارة الحرة انتشر عالمياً من خلال الإجبار والغصب: انتشرت التجارة الحرة في جميع أنحاء العالم لأول مرة خلال القرن التاسع عشر، ولكن هذا الانتشار تم من خلال وسيلة واحدة وهي التهديد، حيث أجبرت الدول الاستعمارية الدول المغلوبة على الانفتاح التجاري التام، في حين تم إجبار عدد من الدول المستقلة على تبني ذلك النهج من خلال ما يسمى “دبلوماسية البوراج” أي أنه تم إجبارهم على توقيع معاهدات تجارية غير متكافئة، حرمتهم على سبيل المثال من تحديد الرسوم الجمركية الخاصة بهم.
– المثال الأكثر شهرة على تلك السياسة هو معاهدة ” نانكين” والتي أجبرت الصين على إبرامها مع بريطانيا عام 1842 بعد هزيمتها في حرب الأفيون، وفتحت بمقتضاها بكين موانئ كانتون وشنغهاي وأموي وفوشو ونينجبو في وجه التجارة البريطانية.
6- أفضل أيام الرأسمالية كانت الفترة ما بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي: على عكس ما يتداول اليوم حول الآثار الاقتصادية الضارة لارتفاع معدلات الضرائب، والإجراءات التنظيمية المشددة، فقد شهدت الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة أزهى عصورها في الفترة ما بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، حين كان هناك الكثير من القيود التنظيمية والضرائب المرتفعة.
– ما بين عامي 1950 و1973 ارتفع دخل الفرد في أوروبا الغربية بحوالي 4.1% سنوياً، في حين كان الوضع أفضل في اليابان مع ارتفاع دخل الفرد بنسبة 8.1%.
– حتى في الولايات المتحدة -الاقتصاد الأبطأ نمواً في العالم المتقدم في ذلك الوقت- ارتفع دخل الفرد هناك بمعدل سنوي غير مسبوق بلغ 2.5%.
– في المقابل ارتفع نصيب الفرد من الدخل لدى هذه الاقتصادات بشكل جماعي بمعدل سنوي بلغ 1.8% فقط في الفترة ما بين عامي 1980 و2010، وهي الفترة التي اتسمت بانخفاض معدل الضرائب والسياسات الاقتصادية الأقل تشدداً.
7- الحكومة الأمريكية هي من طور”الإنترنت” وليس وادي السيليكون: يعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة تأتي في المقدمة حين يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، وذلك نتيجة لما أنجزته شركات “وادي السيليكون”، ولكن هذا ليس صحيحاً، حيث إن الحكومة الفيدرالية الأمريكية هي من أنشأت كل القطاعات التكنولوجية تقريباً.
– فقد قام “البنتاجون” بتمويل تطوير الحاسوب في أيامه الأولى، في حين أن شبكة الإنترنت هي أيضاً نتاج مشروع بحثي تم برعاية وزارة الدفاع الأمريكية.
– في الوقت نفسه قامت البحرية الأمريكية بتمويل أبحاث تتعلق بأشباه الموصلات، وقامت أيضاً بتأسيس ما يسمى “اقتصاد المعلومات”.
– صناعة الطائرات الأمريكية كذلك، لم تكن لتصبح ما هي عليه اليوم، لو لم يتم دعمها بشكل مباشر من خلال القوات الجوية الأمريكية، التي دفعت مبالغ ضخمة مقابل طائراتها العسكرية، وهو ما ساعد الشركات الأمريكية على توجيه الأرباح إلى تطوير الطائرات المدنية.
8- اليونانيون “الكسالى” هم في الحقيقة الأكثر كداً في العمل بعد الكوريين: في خضم أزمة منطقة اليورو، انتقد كثير من الأوروبيين اليونانيين بأنهم متطفلون وكسالى، ولكن عند النظر في حقيقة الأمر تجد أن اليونانيين لديهم أطول فترة عمل يومية في العالم المتقدم باستثناء كوريا الجنوبية.
– فاليونانيون يعملون بالفعل 1.4 مرة أكثر من الألمان و 1.5 مرة أكثر من الهولنديين، لذلك فإن هذه الأرقام تشير إلى أن مشكلة دول البحر المتوسط في منطقة اليورو (اليونان وإيطاليا) هي الإنتاجية وليست أخلاقيات العمل.
9- سويسرا وسنغافورة لا تعيشان على إيرادات البنوك والسياحة فقط: يجادل كثيرون مؤخراً بأننا نعيش حالياً في ما يسمى “المجتمع ما بعد الصناعي”، وأن الصناعة لم تعد هي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي بل “الصناعات الخدمية”، مستشهدين بسويسرا وسنغافورة كأحد أمثلة النجاح الاقتصادي القائم على الخدمات مثل التمويل والسياحة والتجارة.
– لكن في حقيقة الأمر، هو أن واقع تلك الدول هو عكس ذلك تماماً، فوفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “يونيدو” جاءت سويسرا في المرتبة الأولى كصاحبة أعلى نصيب للفرد من القيمة الصناعية المضافة بنسبة بلغت 24%، متقدمة على اليابان.
– احتلت سنغافورة المركز الأول في القائمة عام 2010، حيث بلغ نصيب الفرد من القيمة الصناعية المضافة 48 %، متقدمة على الولايات المتحدة وسويسرا.
10- الجزء الأكبر من الفقراء لا يعيش في البلدان الفقيرة: عام 2014 كان هناك حوالي 1.4 مليار شخص أو واحد من كل خمسة أشخاص في العالم يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم أو تحت ما يسمى بخط الفقر العالمي، وفي حال انخفض ذلك الرقم عن هذا المبلغ يصبح بقاء الإنسان على قيد الحياة تحدياً صعباً.
– لكن معظم هؤلاء لا يعيشون في البلدان الفقيرة، إنما يعيش حوالي 70% من الأشخاص الأشد فقراً في البلدان متوسطة الدخل مثل الصين (170 مليون أو 13% من السكان)، والهند (450 مليون 42% من السكان)، وذلك وفقاً لإحصاءات عام 2000.
مجلة الرجل