اثيوبي مقيم في السودان: لو ان ابنائي فوضوني لامرتهم بالزواج من سودانية

ودالقضارف ، هكذا نقش الاسم عريضا بأحرف بهية الرسم ، أعلى هامة صالون الحلاقة الكائن عند زاوية تقاطع (باشدار) ، أثيوبي كبير السن ، لكنه لا يزال يحتفظ ببعض نضار الشباب ، مربوع القامة قريبا من إكتفاء الإمتلاء ، وأدني من منتهي الوفرة ، يهتم وخاصة إنه حلاق بترتيب شعره ، يقيمه كتلة مثل غابر نسق الخنفس ، يحرص علي ارتداء أقمصة من ذاكرة مخططات (تحرمني منك) التي في عهد مضي كست اجساد السودانيين كموضة وعلت مقاطع أشعارهم غنائهم ، ينتعل في قدمه صندلا حبشي السيور ، خاطف لونين بين الصفار والاحمرار ، مكملا لون بشرته الخلاسية الاميل للانفتاح علي لون ادني قليلا من البياض ،

لا يتكامل وصف (غيبرو) دون التوقف عند شارب كث ، وتقاطيع وجه به تماثل الي حد ما وتقاطيع الرئيس الارتيري أسياس أفورقي ، يقول لي ان مرد الشبه ربما بسبب انهما من التقراي ، وان فصلت الحدود وأعلام الدول بينهما ! عادة اتخير الحلاقة عند الرجل ، هو سحارة قصص ووقائع ، وهو وان كان اجنبيا ولاجئا لكنه اختلط مع طبائع السودانيين واعرافهم ، حتي الاكل وطن فيه نفسه علي ذائقة القراصة والكسرة وفتة الفول و(مديدة) صديقنا السمؤال بجواره القريب ،الحلاقة عند الرجل سانحة لتلقي رسائل من الحكمة والانس الوسيم ،

حدثني اليوم عن اشتياقه لابنائه بمهاجر اوربية ، يرغب ان يراهم عرسانا يدلقون عليه ضجيج الحفدة والبنين ، صمت لبرهة ، اوقف مجري القص علي راسي ، أقام رقبتي وهو يخاطبني من فوق سطح المرآة العريضة ليقول لي كمن يفك متفجرة سر ، تعرف ؟ قال يستفسرني لو ان ابنائي فوضوني لامرتهم بالزواج من سودانية ، قلت مساندا امنيته …ان شاء الله ..رد بالقول علي مساقط رزاز ماء يرسله كصيب ناعم علي جانب راسي ،

قال هل تصدق – يخاطبني – ان له سنوات في هذا الموقع ، يمينه ويساره اسر من السكان المواطنين ، قال انه لا يعرف حتي الان ملامح بناتهم عينا وبدقة ! قال وهو يقسم ممسكا بصليب خشبي تدلي من عنقه ، اري بعضهن اما خارجات لعملهن ودراستهن او عائدات مع شفق المغيب ، يسرعن ، يرتد للرائي طرفه اليه عنهن ! كان يحدثني وقد علا صوته شي من صدي الاحترام العميق ، قال ان السيدات في جواره يخرجن هدوءا ويعدن صمتا ، اطنب في المدح والثناء علي ما بينه بانه حشمة ووقار شكل عنده طيف امنية بان يكون ابنه المهاجر صاحب حظ ، وجدت نفسي الوذ بالصمت ، حرت ما اقول ، ومحدثي يقسم بان له عشرات السنين بالسودان تعلم فيها كريم خلق وسلوك وناصع تعايش جعله يعرف معني ان تعيش محترما وسط شعب محترم ،

استعصمت اثناء هذا بالصمت وقليل شكر ، وانا ارد اليه التحية باني اعرفه منذ سنوات ولم اري منه الا كل كريم ولائق وخرجت منه وهو يودعني بعد تلقي نقد خدمته وهو يفتح كفيه بتلك الطريقة الودودة عند الاثيوبيين ، بسط الكفين معا وهو يقول (اكازبيرن مسكن) اي الحمد لله مع انحناءة خفيفة مثل نهج الاسيويين حين التحايا ،

خرجت استقبل هواء الطريق البارد و(غيبرو) يلاحقني بتحايا الوداع وهو في شغل بين ترتيب بعض المناشف التي فردها علي جانب مدخل الصالون وانا اراه يلاحق بعض (الاكياس) المتناثرة من القمامة يجمعها ، رجل يحب النظام والنظافة ، ويحب السودانيين والديم والقضارف ويحبني انا (جدا) وأحبه.

محمد حامد جمعة

Exit mobile version