عوض إبراهيم عوض: أنا ثمرة كفاح ورغبة وتجربة طويلة، الهجرة أمر صعب وقرار مؤلم، ولكن

الإعلامي المخضرم البروفيسور عوض إبراهيم عوض يشد الرحال مهاجرا إلى المملكة العربية السعودية خلال اليومين القادمين للعمل في إحدى جامعاتها , وللبروف عوض تجربة سابقة في الاغتراب في دولة ماليزيا , حيث مكث هناك ما يقارب ال 10 سنوات ، وربما يزيد , ( التيار ) التقت به وأجرت معه هذا الحوار قبل المغادرة ، تناولنا فيه العديد من الموضوعات الخاصة و القضايا العامة و من بينها الأسباب الحقيقية لسفر البروف عوض المفاجئ إلى السعودية للعمل هناك , فإلى مضابط الحوار:
* بروف عوض ..صراحة ماهي الدوافع والأسباب التي جعلتك تهاجر رغم أنني أعلم أن وضعك هنا في السودان يتمناه أي شخص ؟
– الهجرة أمر صعب وقرار مؤلم بلا أدنى شك , ولكن هناك ظروف كثيرة قد تضطر الإنسان لركوب الصعاب ومفارقة الأهل والأحباب .. و نحن بصراحة في حاجة للراحة من عناء الجري المتواصل بلا نهاية .. قد لا تصدق صديقي العزيز ، نوح السراج ، لو قلت لك إنني أعمل بستّ جامعات , وأشرف على عدد مهول من رسائل الدكتوراة والماجستير , وأتعامل مع التلفزيونات المختلفة والإذاعات الكثيرة التي لي بها علاقات وصلات حميمية ..
وبعد كل هذا ، فالاجتماعيات لا ترحم،
وأنا أكاد اكون في كل مدن العاصمة المثلثة بشكل شبه يومي ، ما بين الأعراس والولائم الخاصة والمآتم وغيرها من المجاملات.. هذا فضلا عن المؤتمرات وورش العمل والاجتماعات واللجان والسمنارات التي تحاصرني من كل الزوايا وطوال أيام الأسبوع تقريبا .. لذلك عندما أصر الأخوة السعوديون أن أكون منهم.. اتخذت القرار بالموافقة بعد ان راجعت نفسي عشرات المرات – وختاما توكلت على الحي الذي لايموت، وقررت الرحيل إلى المملكة , وسأكون بإحدى أعرق جامعاتها التي أتمنى أن أجد فيها زمنا هادئا لأكمل تأليف عدد من الكتب الجديدة التي بدأتها بالسودان، ولم أجد الوقت الكافي لإكمالها بسبب المشاغل التي أشرت اليها .. والله المستعان . 
* كثرت هجرة الإعلاميين من التلفزيون للقنوات الخارجية ، فماذا ترى في ذلك؟
– في الواقع لا يوجد إعلامي واحد يرغب في الهجرة من التلفزيون للخارج ولكن الظروف التي يعيشونها هي التي فرضت عليهم الهجرة. وبعضهم هام على وجهه كثيراً ، لأنه لم يجد سبيلاً لتحقيق ما يريد فاضطر للهجرة. ولعل الجوّ غير المريح الذي عاشوا فيه هو الذي دفع معظمهم لترك المهنة والولوج في مجالات أخرى ، بحثا عن الرزق. وطبعاً هذا لا ينفي أن البعض قد أغراهم العرض المالي السخي بالقنوات الخارجية فغادروا الوطن ليطلّوا عبر الفضائيات الخارجية، وعموماً كان معظم الذين هاجروا هم من خيار الشباب الذين كنا نتمنى أن يظلوا بأرض الوطن، وهم الآن أكثر حنيناً للعودة لأن الالتصاق بالمعجبين في الداخل أمر مهم في حياة النجوم مهما كانت إغراءات الفضاء خارج أرض الوطن وليتهم يجدون آذاناً صاغية لدى القائمين بأمر الإعلام بالسودان ، حتى يعودوا إلى حجر الوطن.
* بالتوفيق بروف عوض .. واضح ان الهجرة أصبحت واقعا .. فلنتحدث في موضوعات اخرى ،ولنطوف حول شخصية عوض ابراهيم عوض .إذا كيف كان طريقك إلى أجهزة الإعلام مقارنة بواقع البعض الذي دخل من الأبواب الخلفية؟
– جاءت مسيرتي الإعلامية نتاج كفاح ورغبة وتجربة طويلة ظلت عالقةً بذاكرتي وحبيبة إلى نفسي. حيث التحقت بالإذاعة عن رغبة وسبق إصرار ، حيث تم تعييني مذيعا بعد اختبارات عديدة وتدريبات صوتية متأنية نلتها مع شـباب الإذاعيين الذي زاملتهم في البداية حتى أصبحت الإذاعة جزءاً من كياني، وعملت بها في أقسام مختلفة حيث كان لي شرف التعلم من كل من عرفت من الإذاعيين الذين سبقوني. وبقيتُ بالإذاعة طوال السنوات التي سبقت التحاقي بالعمل الجامعي الذي اقتضى سفري إلى خارج السودان لسنوات طويلة. وكان من أهم ما جنيته من العمل الإذاعي التصاقي بنجوم المجتمع من السياسيين والتنفيذيين والأدباء والفنانين وغيرهم من القطاعات التي تصنع الحياة داخل وخارج السودان. وخلال مسيرتي الإذاعية والجامعية التحقت بعدة مواقع كانت حصيلة الخبرات العملية فيها ثرة ومفيدة لأبعد الحدود، حيث إنني بعد الانخراط في العمل بقسم الأخبار الصوتية لمدة قصيرة انتقلت للعمل بقسم المذيعين وصرت رئيساً للقسم حيث يسمى هذا المنصب كبير المذيعين. وبعد ذلك ترقيت رئيساً لقسم البرامج الخاصة والتسجيلية بالإذاعة السودانية. وفي عام 1990م انتقلت من السودان إلى ماليزيا حيث عملت محاضراً بقسم اللغات بالجامعة الإسلامية العالمية. بعد ذلك ترقيت رئيساً لقسم الوسائل التعليمية بمركز اللغات بالجامعة نفسها . وفي أغسطس 1997م تم تعييني أستاذاً مساعداً بقسم الإعلام كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بكوالا لمبور. أما في 30 يونيو 2002م فقد عدت للسودان بعد أن تم تعييني بقسم الإعلام بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم، ثم ترقيت حتى درجة البروفيسور بكلية الإعلام التي يشار إليها بالبنان الآن.
* ولجت ميدان العمل الإعلامي من بوابة الإذاعة ثم انداحت عليك الوسائل من تلفزيون وصحافة ومؤلفات، فما الذي أضافه لك العمل الإعلامي؟
– في الواقع ، الإعلام أصبح أهم الأساليب التي تختلط بحياة الناس وفرض نفسه كصديق وكوسيلة للتعرف على كل شيء حولنا. وهذا بفضل التطور التقني الذي جعل قنوات الاتصال قريبةً من أي إنسان في الدنيا وميسورةً للجميع ووافيةً بكل متطلبات الحياة من تعليم وترفيه وتنوير وإعلان وتواصل بين المجتمعات المختلفة حتى قال بعض المختصين إن الناس في الزمان الماضي كانوا على دين ملوكهم ولكنهم اليوم أصبحوا على دين إعلامهم. وبالطبع لم يقتصر عملي الإذاعي على إذاعة أم درمان وإنما تشعب إلى عدة مهام حيث عملت مراسلاً لإذاعة صوت أمريكا في عام 1985م بعد أن انتقل مراسلها السابق الأستاذ الزبير عثمان الطيب للعمل في أستديوهاتها بواشنطن. كما تشرفت خلال حياتي الإذاعية بالعمل بإذاعة وادي النيل بالقاهرة حيث كنا نشارك صوت العرب أستديوهاتها مما خلق لنا علاقات وطيدة وممتدة مع الكثير من نجوم الإذاعة المصرية أمثال ثريا جودت ،شقيقة الأديب والشاعر الكبير صالح جودت، وفؤاد عمر، وفاروق الجوهري، وزينب سويدان، وعادل ماهر، ومنتصر سالم، وأمل هنداوي، وثريا حشيش التي هي الآن مديرة إذاعة وادي النيل. وبعد عودتي الأخيرة للسودان تم ترشيحي لأكون أحد المحكمين في مهرجان الإذاعة والتلفزيون العربي الذي ينعقد بالقاهرة كل عام، وأخيراً تم تعييني سفيراً للنوايا الحسنة لدى منظمة الصحة العالمية لمكافحة الدرن، وأثناء مسيرتي العملية قمت بتأسيس ووضع القانون والهيكل البرامجي لعدد من الإذاعات والقنوات التلفزيونية، وعملت كذلك صحفياً بعدد من الصحف السودانية منها: الأضواء، الصحافة، الأنباء، ألوان، الأيام وغيرها، ومن ثم تمّ اعتمادي ككاتب عمود ثابت بعدد من الصحف منها الصحافة والأنباء والأضواء وغيرها. ولما كان العمل الصحفي قد وجد مكانه في نفسي فقد عملت كمحرر بصفحة سودانايل على شبكة الإنترنت (www.sudanile.com) وذلك منذ يناير عام 2000م.
* أسهمت في تأسيس عدد من الإذاعات الولائية والقنوات الفضائية والآن إذاعة راديو إفريقيا وقناة العالمية، فما تقويمك لهذه القنوات؟
– بدأت تأسيس المحطات الإذاعية بإذاعة كردفان في الأبيض بتكليف من الراحل العظيم (الفاتح بشارة) حاكم الإقليم آنذاك الذي اتصل بي بعد شهرين ونصف تقريباً من احتفالات العيد المئوي لمعركة شيكان، وكان ذلك بالتحديد في شهر يناير 1984م وطلب مني أن أقوم بتأسيس إذاعةً بحاضرة إقليم كردفان الأبيض، وبحمد الله قمت بذلك وسلمتها الأستاذ عوض محمداني بعد أن اعتذرت عن إدارتها. وأثناء عملي الإذاعي أيضاً قمتُ بتأسيس عددٍ من الإذاعات الإقليمية بالسودان حيث قمت مع الزميل كمال عبادي بإنشاء إذاعة عطبرة حتى شبت عن الطوق ثم سلمناها لفريق الإذاعة الذي تم تعيينه برئاسة الزميل الراحل عمر عثمان. وأيضاً إذاعة كسلا التي لم أعمل بها غير أيام التأسيس والبداية، ثم عدتُ منها إلى أم درمان. وأخيرا خرجت إذاعة راديو إفريقيا التي تشرفت بأن أكون مديرها المؤسس ولكن عندما تم تكليفي بإدارة قناة العالمية الفضائية الجديدة تركت إدارة هذه الإذاعة لصديقي العزيز الأستاذ معتصم فضل بخبرته الطويلة في إدارة إذاعة أم درمان، وأنا الآن مدير فضائية العالمية التي تشاهدون إرسالها التجريبي الآن. وهي مع راديو إفريقيا نتاج عبقرية جامعة إفريقيا العالمية التي لنا شرف الانتماء إليها. وقد أبدع في تأسيس قنواتها هذه الصديق العزيز الدكتور موسى طه ، عبر كلية الإعلام بالجامعة في ظل التطور الكبير الذي أحدثه الصديق العزيز البروفيسور كمال عبيد في مختلف كليات وأقسام الجامعة خلال السنوات الأربع الماضية.
* ما رأيك في تخصص المذيع في نوعية معينة من البرامج التلفزيونية؟
– هذا هو ما فعله كثير من الزملاء من المذيعين ولكني لم أفعله، حيث إنني ظللت أطلق لنفسي العنان لأتجول بين كل أشكال العمل الإذاعي والتلفزيوني فقدمت المنوعات والثقافة والأخبار والحوارات بكل أشكالها السياسية والأدبية والثقافية والاجتماعية والأكاديمية والتغطيات الخارجية الخ.. حتى أنني في الآونة الأخيرة أخرجت معظم المواد التي أعدها أو أقوم بتأليفها وكتابتها ، سواء أكانت برامج أو أعمال فنية كالمدائح والأغنيات وغيرها. ووجدت في عملي مخرجا متعةً فائقة ثم بدأت أعمل في المونتاج الرقمي الذي تعلمته من الأصدقاء المخرجين حسن مصطفى ومحمد عثمان هلساب وخالد مصطفى، وأنا مؤمن إيماناً قاطعاً بالإذاعي الشامل الذي يعرف كل شيء ويمارسه عند الضرورة. وطبعاً هذا لا يتأتى إلا إذا توفرت الموهبة لدى الإنسان. ولكن حديثي هذا لا ينفي أن البعض قد نجح جداً في التخصص الذي يلائمه وأكبر دليل على ذلك تخصص بعض الزملاء في مجال معين كالزملاء الراحلين أحمد سليمان ضو البيت وسهام المغربي وكمال محمد الطيب و الفاتح الصباغ ونجاة كبيدة والأساتذة إسحق عثمان وحسن سليمان وعبد الرحمن فؤاد ومحمد الفاتح السموأل وإكرام الصادق الذين تخصصوا في الأخبار وأجادوها.
* في الحلقة الثانية والاخيرة من الحوار يتحدث البروف عن الاذاعة في الماضي والحاضر ويتحدث كذلك عن المواصفات التي يفتقدها مذيعو ومذيعات اليوم ، كما يتحدث أيضا عن وضع تلفزيون السودان الآن .. هذا فضلا عن سياحة نطوف خلالها على بعض الموضوعات الخاصة ،ومن بينها الكتب التي قام بتأليفها البروف وقصة كتابة الأغنيات والألحان وتعاونه مع بعض الفنانين الشباب .

* بعد أكثر من نصف قرن من الزمان من إنشائه ما تقويمك لتجربة تلفزيون السودان؟.

– تلفزيون السودان تلفزيون تاريخي بمعنى الكلمة، وذلك بحكم ريادته وسبقه لمعظم التلفزيونات العربية والإفريقية والإسلامية. وقد اختط لنفسه مساراً خاصاً به جعله مدرسة بين بقية القنوات العربية. وهذه المدرسة بالطبع قد تروق للبعض ولا تروق للبعض الآخر، وهذا قطعاً لا يقدح في حقه وهو تلفزيون رائد. ولكن لا بد من المواكبة من حيث الأجهزة والأستديوهات وتوسيع خارطة البرامج والخروج لدوائر مختلفة في مجال العطاء لأن تلفزيون السودان متهم بالانقياد لسياسات الحكومات المتعاقبة وذلك يكبل انطلاقته نحو الأمام.

* إذا طلبنا منك أن تقارن بين الإذاعة في الماضي والحاضر فماذا تقول؟.

– الإذاعة في الماضي كانت أكثر جاذبية بحكم تفردها وهيمنتها على الأثير دون منازع، ولكن في الآونة الأخيرة كثرت المحطات وتشعبت حتى لا يكاد المتلقي يعرف ما هي هذه من تلك، إلا أن يقول المذيع هذه محطة كذا. وبصراحة اختلط الحابل بالنابل. ولكن لا شك أن الإذاعة قدمت الكثير للمتلقي عبر مسيرتها الطويلة. وأنا شخصياً أضافت لي الإذاعة بعداً اجتماعياً ووطنياً ما كنتُ أطمع فيه لولاها. حيث أتاحت لي فرصة الولوج إلى عالم الشهرة التي هـي بطبيعة الحال ضريبة يدفعها كل من عمل في هذا المجال. وقد اقتضى ذلك كثيراً من المسؤولية والحيطة و الحذر، لأن الشهرة سلاحٌ ذو حدين إن لم تقطعه قطعك. وكانت هذه المسؤولية قد فرضت الكثير من الاهتمام بالمستمع والمشاهد في كل التحركات والسكنات داخل الأستوديوهات وخارجها.

* إذن ما هي في رأيك المواصفات التي يفتقدها المذيعيون الحاليون؟.

– المذيعون الحاليون ليسوا على شاكلة واحدة فمنهم المبدعون جداً ومنهم من هم دون ذلك. ولكن الشيء المفقود في كثير من شبابنا هو الاجتهاد والإطلاع المطلوبين جداً لعمل المذيع. ولا بد أن يدرك الجميع أن العمل الإذاعي والتلفزيوني يضيف بعداً اجتماعياً ووطنياً للإنسان لا يجده في غيره من المهن. وهو يتيح فرصاً للشهرة التي هـي ضريبة يدفعها كل من طرح نفسه للعمل الإبداعي، لذلك لا بد للجميع من المسؤولية والحيطة والحذر، ولا بد من إدراك أن الشهرة سلاحٌ ذو حدين إن لم تقطعه قطعك. فالعمل الإذاعي مسؤولية تفرض الكثير من الاهتمام بالمستمع والمشاهد في كل التحركات والسكنات داخل الأستوديوهات وخارجها، فكونوا حذرين أيها الزملاء الأعزاء.

* عرفنا أن مؤلفاتك قد فاقت الثلاثين كتاباً، فكيف تجد الزمن للكتابة والتأليف في خضم عملك الأكاديمي والإعلامي المتواصل؟.

– الكتابة فن جميل، وتحتاج للتفرغ وصفاء الذهن، وأنا تعلمت توظيف الزمن منذ أن كنت صغيراً، ولا أتلاعب بالوقت مطلقاً. والحديث القدسي يقول: (يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار). والدهر هو الزمن، لذلك فهو مقدس عندي. أصحو قبل الفجر بأكثر من ساعة وهذا هو الوقت الأفضل للتأمل والعبادة والتأليف وكل شيء. وقد استفدت من هذا النمط في حياتي كثيراً فألفت كثيراً من الكتب بعضها في بلاد المهجر وبعضها في السودان.

*حدثنا عنها؟.

ومنها ما هو باللغة العربية وبعضها باللغة الإنجليزية ومنها على سبيل المثال: 1/ المنبر وسيلة اتصال جماهيرية. 2/ لغة الإذاعة. 3/ الإعلام الإسلامي الدور التاريخي والافتراء الغربي. 4/ الإذاعة السودانية في نصف قرن. 5/ عفواً سيادة الرئيس. 6/ لهبٌ من نار المجاذيب. 7/ بُكائية للأيام الخوالي 8/ أصول الفكر الاتصالي الإسلامي. 9/ أبعاد الصراع السياسي حول استقلال السودان. 10/ الفاتح بشارة الوفاء والدهاء. 11/ الدعوة الإسلامية عبر الإنترنت، وغيرها وغيرها.

* عندما صدر كتابك (الإذاعة السودانية في نصف قرن) كان أول كتاب توثيقي يصدر عن تاريخ إذاعة أم درمان فما هي الدوافع التي أملت عليك تأليف هذا الكتاب؟.

– هذا الكتاب ألفته بغرض التوثيق لإذاعة أم درمان، لأنَّ عطاء هذه الإذاعة المتدفق لم يجد من يخلِّده في المكتبة السودانية. وكانت معايشتي للعمل الإذاعة وتوالي الأحداث والوقائع عليها طوال السنوات التي عشناها فيها وعاشها قبلنا من سبقونا كفيلة بأن تصنع كتاباً متفرداً لجمهرة القراء. وكان من ضمن الدوافع التي جعلتني أفكر في وضع هذا الكتاب أيضاً أن نتمكن من سبر أغوار الحقائق عن دور وسائل الاتصال في بناء الإنسان والتغيير الاجتماعي للأمم. وإذاعة أم درمان بالمناسبة هي الإذاعة الوحيدةَ بين مثيلاتها من الإذاعات الأفريقية والعربية التي تفردت في نشأتها ومسارها التاريخي ودورها الاجتماعي والسياسي والثقافي بحكم أنها نشأت في زمانٍ لم تعرف فيه معظم الدول الأفريقية والعربية والإسلامية شيئاً يُسمى الإذاعة. وعطاء إذاعة أم درمان المتدفق عبر السنوات منذ نشأتها في عام 1940م، بصراحة لم يجد من يخلده في المكتبة العربية، وأنَّ أبناءها الذين علَّمتهم أسرار النجاح وقدمتهم للدنيا رجالاً ناضجينَ وعلاماتٍ مُضيئةً في سجل العطاء الإنساني لم يبادروا بالكتابة عنها إلا بعد صدور هذا الكتاب.

ولقد توالت الأحداث والوقائع على الإذاعة بشكلٍ يكفي أن يجعل منها كتاباً متفرداً للأجيال القادمة. وظل كل ما يعرفه الناس عنها هو المعلومات التي ظلَّ يرددها الروادُ الأوائل عندما يتحدثون من وقتٍ لآخر عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية من خلال ذكرياتهم. ولكنَّ هذا قطعاً لا يكفي. وفي نفس الوقت كان لتفرد التركيبة البشرية في السودان من حيث الجذور والموروث الثقافي والتباين الإثني ما جعل من إذاعة أم درمان إذاعةً جديرةً بالدراسة بحكم ما وقع على عاتقها من دورٍ خطير تمثَّلَ في خلق توليفةٍ اجتماعيةٍ من رُكامٍ في غاية التعقيد والخصوصية والتفرد بحكم التركيبة الإثنية والسياسية والفكرية لأبناء السودان.

* خلال مسيرتك الإعلامية مارست كتابة الشعر الغنائي والتلحين لعدد من الفنانين القدامى والجدد فما هي الحصيلة حتى الآن؟.

– بصراحة أنا وجدت نفسي كثيراً في مجال الأدب والشعر والموسيقى، وقد نبعت كل هذه المعطيات من إحساسي الداخلي ولم تكن مجرد صدفة. ولذلك كتبت كثيراً من القصائد ذات الطابع الغنائي فضلاً عن الشعر العمودي الفصيح وشعر التفعيلة والشعر الملحمي وغير ذلك. وقد وجدت شغفاً من المطربين بالقصائد الغنائية التي كتبتها فلم أمانع أبداً في تلحينها وتقديمها لهم. والحمد لله فإنهم لم يخذلوني وإنما قدموها بشكل رائع وبديع.

* منو من المطربين الذين تغنوا بكلماتك وألحانك؟.

– على سبيل المثال تغنى لي الفنان الكبير صديق عباس بثلاثة من الأغنيات من تأليفي وألحاني ومنها: (بنات كردفان) و(وصوني بيك) و(مالك علي يا عيني) التي لحنها له الأستاذ الدكتور الماحي سليمان، وغنى لي سيف الجامعة من ألحاني (يا أهلنا السلام)، وقبلها غنى لي من ألحانه (بكرة جاييك استعدي)، وغنى لي حمد الريح (في عيونك يا أميرة) و(وطن السلام)، وعصام محمد نور (واصل أنا واصل)، ومحجوب كبوشية (جوابك لي وصل يا يمة عز الليل)، ورائد ميرغني (ما لاقيت متل ضيك) و (يا رائق)، وعبد القادر سالم (الأحاجي)، وثنائي النغم (جايين راجعين)، وحمد البابلي (الله قادر)، وعبد الكريم أبو طالب (جدي الظبا الوناس)، وأحمد الصادق (قامتك نخيل)، الواثق كمال (روعة الزول والهوى)، و (رياد)، و (ليه ظلمتي)، وغنى لي الفنان الشاب محمد الفاتح ستة عشر أغنية أولها (تسمحي أستريح) وهي التي حملت اسم ألبومه الثاني الذي نفد من الأسواق بسرعة البرق، وسلطان عيداوي (مستحيل)، وعمر إحساس أغنية (عربي وإفريقي)، ومعز الشاطئ أغنيتين (البنفسج) و(الحمالة علي)، ومحمود حماد (غلاب يا زمن)، وبعدها قدمت له أكثر من عشر أغنيات، وكذلك المطربين الشباب عماد الصقير، وعلي عبد الماجد، وقريب الله مسعود، وعبد القادر مختار، وخالد العمدة، وعبد السخي أمين، وأحمد البحراوي، ومعتز أركويت، وأحمد النيل، وسلطان عيداوي. وقدمت لي مجموعة الفنانين أوبريت البرلمان وأوبريت الشرطة، وقد شارك فيها عدد من المطربين منهم سمية حسن وهشام درماس وعمر إحساس وأمين البنا ومحمد عمر وكثير كثير غير هذه الأعمال.

* إذن ما هو وجه الشبه بين الشاعر والمذيع في رأيك؟.

– الشاعر ينتعش ويستنشق نسمات من كون الإبداع، لأن أحرف الشعر تداعب خيال الفنان المرهف وتعانق كلماته التي تخرج عذبة للسامعين في قالب من الموسيقى والقوافي والرنين، والمذيع إنسان يوظف أوتار صوته ليملك بها آذان الناس مما يجعله محتاجاً للبساطة والتواضع والتلقائية حتى ينشر المتعة على كل البيوت. وكلاهما يرسل ما لديه عبر الأثير من خلال البرامج لذلك لا بد أن تكون أحاديثهما ذات متعة خاصة تداوي جراح الحزن لدى الناس.

* كلمة أخيرة ماذا تقول فيها؟.

أقول فيها : ألف شكر لك أخي وصديقي نوح السراج ولصحيفتك العظيمة (التيار) التي دخلت قلوب كل السودانيين حتى أصبحت ذات سطوة وقوة متعاظمة خلال فترة وجيزة وتمكنت من التغلغل في نفوس الناس ويعشقها القراء في كل مكان وصار من المستحيل أن يستغنى أحد عنها في أي بيت سوداني.
أجراه: نوح السراج
التيار

Exit mobile version