الفساد يعلو..!

“الاستقرار” الذي يُحظى به السودان في ذيل قوائم التقارير والمُؤشِّرات العالمية، لو أنّه حُظي به على صعيد الاستقرار السياسي الداخلي، لانتقل السودان إلى مرتبة أفضل، في مؤشرات، الفساد، حُرية الصحافة، السلام وغيرها.

مثلما تحرص دول على مراتبها العليا في المُؤشِّرات العالمية، بالمُقابل، تحرص أخرى على أن تظل في آخر القائمة.. أمس صَدَرَ تقرير مُنظّمة الشفافية الدولية، وحل السودان في ذيل القائمة، إذ لم يحرز أيِّ تقدمٍ، وهو الأمر المُتوقّع، ربما غير المُتوقّع، أن ترتد بعض الدول في مُؤشِّر مُدركات الفساد، مثل دول الخليج، ووفقاً للتقرير، فإنّ التحالفات العسكرية التي بنتها بعض دول الخليج مؤخراً أوردتها مراتب متأخرة لأسباب إخفاء معلومات بشأن المُوازنات والصرف العام.

يَبدو موقع السودان المُتأخِّر، وإنْ كَانَ قد زاد نقطتين من مُؤشِّر العام السابق، طبيعياً جداً، نظراً لانعدام الإرادة لمُكافحة الفساد، رغم الضوضاء الإعلامية التي حَدَثَت مُؤخّراً.

الشهر الماضي، أُقيمت ورشة ضخمة عن الفساد والشفافية، مُتزامنةً مع تقرير المراجع العام الدوري، انتهت الورشة بانتهاء نشر أخبارها على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت.. وانتهى التقرير كغيره من التقارير بأن وجد طريقه إلى الأدراج المنسية.

منذ أن أعلنت السلطة “عزمها” العمل على مُكافحة الفساد، أسهبت في ضخ أكبر كمية من الكلام عن القوانين وتشكيل المُؤسّسات والأجسام المُستقلة، وقد كانت مفوضية أبو قناية، التي منذ أن بدأت مهامها إلى أن تَمّ حلها، لم تُنجز ولا خطوة واحدة.. ثم كان آخر هذه الجهود، ما عُرف بقانون الشفافية والاستقامة ومُكافحة الفساد.

هذا القانون ارتطم بحائط الحصانات المنيع، وثار جدلٌ كثيفٌ حول هذه المادة، التي خُضعت للحذف بعد إجازة القانون.. وهذا ما يُؤكِّد أنّ القانون يحمي بدلاً من أن يقدم مُتهماً إلى محاكمة.

قبل أيام، أصدرت المحكمة العليا قراراً بإلغاء الأحكام الصادرة في حق عَدَدٍ من المُتهمين في القضية الأكثر جدلاً في قضايا الفساد التي وجدت طريقها إلى الإعلام.. وفي قضية الأقطان الشهيرة التي شغلت الرأي العام لفترة ليست قَصيرة، قصة مُعلنة، إذ وقف وزير العدل – حينها – أمام البرلمان، وشكا إلى البرلمان والعالمين عجز العدل في هذه القضية، وقال إنّ جهات عُليا مَارَست ضغوطاً لسحب ملف الأقطان من المحكمة وإخضاعه إلى التحكيم.

وعلينا أن نقيس على ذلك، كمية (الجهات العليا) التي عطّلت ولا تزال حجم (قضايا الفساد).. ولا يزال البعض يتحدّث عن حاجتنا إلى قوانين وأجسام مُستقلة، بينما الفساد هو العظم الذي إذا انكسر تداعت له كافة الأجسام.

شمائل النور
صحيفة التيار

Exit mobile version