«إن لم تطعك نفسك فيما تحملها عليه ممّا تكره، فلا تطعها فيما تحملك عليه ممّا تهوى» .. الحسن بن علي ..!
نشرت قناة «سكاي نيوز عربية» تقريراً للزميل «طارق التيجاني» يتناول إحدى بوادر ظاهرة قيادة المرأة لسيارات الأجرة في السودان .. وكانت بطلة التقرير طالبة في كلية الطب لا تضع علامة «تاكسي» على سيارتها خشية المضايقات، لكنها تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن خدماتها الخاصة ببات جنسها فقط .. فكل الزبونات نساء .. وثمن الأجرة يذهب لتسديد مصاريف الدراسة ومباصرة شئون الحياة وشجون الغلاء .. وهو كفاح نبيل ومقدر لكن الخشية – كل الخشية – أن يخرج علينا أحدهم بفتوى تشجب الظاهرة وتحرم قيادة المرأة للسيارة «من أساسه» ..!
لو عكف خبير على دراسة لغة أجساد – وقراءة ملامح ونبرات أصوات – معظم ضيوف ومقدمي برامج الفتاوى والتثقيف الديني على قنواتنا التلفزيونية، فلن يخلو تقريره من رصد وتوثيق لما يمكن أن نطلق عليه «متلازمة فتاوى النساء» .. وهي حزمة متغيرات «لا شعورية» تصيب معظم علماء وفقهاء بلادنا الإجلاء عند الحديث عن موقف الدين من معظم شئون المرأة .. أستثنى من هؤلاء قلة قليلة نجحت في عبور حاجز النوع إلى رحابة الانتماء الإنساني الجليل .. والسبب – في تقديري – ليس ذنب هؤلاء ولا فضل أولئك، بل هو اختلاف إيجابي في عامل التربية ..!
فالرجل السوداني – التقليدي – الذي يسير أمام زوجته مسافة متر في الشارع العام حتى لا يتهم بجريمة المشي جنباً إلى جنب مع امرأته .. والذي تربى على الترفع عن كل شأن نسائي باعتباره منقصة والتسليم بدونية المرأة لمجرد كونها تحيض وتحمل وتلد وترضع وتخرج عن دائرة فروض الكفاية في أحكام الجهاد وصلاة العيد والجمعة .. والذي نشأ على إطلاق جملة «كلام نسوان» على كل ساقط قول .. والذي .. والذي .. لا يستطيع بأية حال أن يتناسى إرثه الثقافي – وإن التزم الحياد الشرعي – في كل فتوى تخص امرأة! .. لا بد أن تخرج منه كلمة .. أو تصدر عنه إيماءة .. تستدعي إرثه التربوي عندما يذكر جنس النساء ..!
لذلك نقول إن صور دونية المرأة في هذا المجتمع ليست كلها حوادث ضرب وظلم وأكل ميراث بالباطل وعضل ولي أمر .. بل أن أعمق وأخطر تلك الصور هي عدم احترام حقها في الرأي والقرار واختيار الفعل الإنساني الذي أقره الشرع ومنعته التقاليد والأعراف ..!
لذلك يواجه بعض المفكرين وأصحاب الرأي – في مجتمعاتنا – دعاوى التشكيك والتأثيم، لأنهم كرموا المرأة وأنزلوها مكانتها التي تستحق، دونما مساس بنصوص الإسلام الصقيلة، الخالية من غبار العادات، وصدأ الأعراف، وطمي التقاليد .. وكل نساء السودان مدينات لأمثال هؤلاء الرجال – الثقاة .. العدول .. الراشدين – بمواقفهم الداعمة لهن في مواجهة مسلمات خاطئة، ومفاهيم جائرة، آن لها أن تُصحَّح ..!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة