إذا ذهبت إلى مقابر “أحمد شرفي” ولم تجد “عابدين درمة” حفار القبور المعروف والمشهور، فستجد في مكانه الشاب “ناجي عثمان فرج” وهو بمثابة نائبه وأقرب المقربين إليه، أو قل صديقه الشخصي الذي يرافقه في حله وترحاله، وساعده الأيمن في تجهيز القبور ودفن الأموات، ويعمل معه بمقابر شرفي منذ (13) عاماً.. في هذه الدردشة سألنا “ناجي” عن علاقته بـ”درمة” وماذا تعلم منه وهل يجهزه “درمة” ليكون خليفته في دفن الأموات، وتحدثنا عن أمور أخرى متعلقة بمواقف ومشاهد من داخل مقابر “أحمد شرفي” فماذا قال:
}درمة رجل مسالم
يقول “ناجي” عن بداية معرفته بـ”درمة”: (معرفتي بدرمة في 2003 منذ وفاة الوالد، كنت أزور قبر الوالد كل يوم جمعة، وفي مرة وجدني عابدين أبكي بجوار القبر وطيب خاطري وطلب مني أن أعمل معه في دفن الأموات، وأصبحت أحضر كل (جمعة)، وأساعد في دفن الموتى وأعمل معهم في حفر القبور وتوجيه الناس، ويمضي “ناجي” قائلاً: (علاقتي بدرمة علاقة صداقة يعرفني وأعرفه، ويزورني في البيت وأزوره وأصبحت علاقة أسرية متينة، وصباح اليوم شربت الشاي معه في المنزل.. ويضيف: (درمة رجل علم وشخصية وهو رجل مسالم جداً وطيب ولا يحب المشاكل ونحن في كثير من المرات ندخل في شجار وهو يهدئنا ويقول لي هذه مقابر، وقبل قليل وارينا عمنا الفاضل أزرق الأنصاري المعروف، وكنا قد جهزنا له القبر وفي انتظار الجثمان، ولكن تفاجأنا بأن آخرين دفنوا جثمان فقيد لهم في هذا القبر وتضايقت جداً، إلا أن درمة تعامل مع الأمر بهدوء وحدثني بأن هذا القبر أراده الله مرقداً لذلك الشخص، وقمنا بحفر قبر آخر لعمنا الفاضل)، ويقول “ناجي”: (درمة نذر نفسه لخدمة المقابر ويذهب إلى المقابر في أوقات متأخرة في الصباح والمساء والبعض يقولون إن درمة يأتي فقط لدفن الشخصيات الكبيرة، وأنا أنفي هذا القول بشدة، فدرمة لا يفرق بين ميت وآخر، وفي مرة حضر إلينا شاب وحده يحمل جثمان شقيقه في عربة أمجاد، وضربت لدرمة فحضر بسرعة وساعدنا الشاب في دفنه شقيقه.. درمة يعرف الموت لذلك فهو لا يتكبر ولكن كون أن لديه حباً لأشخاص معينين، فهذا لا نستطيع أن نلومه عليه).
ويسترسل “ناجي” قائلاً: لمن لا يعرف فإن لـ”درمة” قبراً جاهزاً جوار والدته ووصيته لي أن ينزله في القبر ولده “خضر” وأنا معه، وقال إنه لن يكشف عن مكان القبر إلا لابنه “خضر”.
ويحكي “ناجي” عن أكثر ما لفت نظره في شخصية “درمة” فيقول: (لديه حركة يعملها بمجرد أن ينزل الجثمان يخرج بعيداً عن مكان القبر ويقف لمسافة ينظر في اتجاه قبر والده ووالدته، وقد سألته عن سر هذه الوقفة فقال إنه يتذكر الوالد والوالدة).
}الخوف من الجثامين
وعن تجربة “ناجي” مع المقابر وكيف تأقلم مع دفن الجثامين والوجود في المقابر طوال اليوم، يقول: (كنت أخاف من الجثمان، وأقف بعيداً عنه، ولكن درمة كان يطلب مني الاقتراب وأناوله الطوب، ويشرح لي كيفية إنزال الجثمان إلى ود اللحد، وعلمني إنزال الجثامين القادمة من الخارج في صناديق، وفي دفن الفاضل ازرق طلب مني مساعدته في إنزال الصندوق، ذهبت معه إلى عدد من المحاضرات عن تكفين الميت، وفي مرة قام بتكفيني أنا شخصياً في كلية الشرطة)، هنا قاطعته وكيف كان شعورك؟.. فابتسم وأجاب: (طبعاً كنت خائف وبعد أن فك عني الكفن كنت غارق في العرق ولكن في النهاية الإنسان لا يموت قبل يومه، وبقائي الكثير في المقابر وبين الموتى أورثني زهداً وإحساساً بأن الدنيا أصبحت مسيخة بالنسبة لي، ووالدتي توفيت قبل أربعة أشهر وأصبحت زاهداً لا أتمسك بشيء كثير، ولا أحب الدخول في مشاكل وأتأثر كثيراً للأشخاص الذين يموتون وليس لهم من يدفنهم، وبعض الموتى لا يأتي معهم أحد.. والآن لم أعد أخاف من المقابر وأقضي جل أوقاتي داخلها، وفي كثير من المرات أنام فيها ملء جفوني.
}مواقف ومشاهد مع القبور
قبل قليل ونحن نحفر في القبر وجدنا بالقرب منه قبراً كفنه جديد ما زال بلونه الأبيض ولا يظهر عليه أي أثر تآكل وكأن صاحبه دفن قبل قليل، وقبل ست سنوات انفتح قبر ووجدنا كفنه أبيض أيضاً كأنه دفن بالأمس، وفي بعض الأحيان نشتم روائح طيبة من بعض القبور، وفي مرات يطلبونا لغسيل أموات ونجدهم كأنهم نائمون، لمعرفة المكان الفارغ توجد أزمة برأس طويلة يقال لها أزمة التفتيش نضرب بها الأرض، فإذا اخترقت التراب إلى آخرها نعرف أن هذا قبر، وإذا لم تخترق الأرض نعرف أن المكان فارغ، المقابر امتلأت ولكننا نجتهد ونبحث عن مساحات بين القبور، في واحدة من المرات صادفنا جثماناً حاولنا إدخاله لأكثر من ثلاث مرات ولم ننجح، الدفن حسب حجم الميت وود اللحد ولا نتقيد بالشبر.
المجهر – خالد الفاضل