قبل نحو ثلاثة عشر عاماً، اندلعت الحرب في دارفور وتسارعت وتيرتها، وفي فترة وجيزة أفرزت ملايين الضحايا والنازحين واللاجئين، وبعدها بدأ العالم يتحدث عن كارثة إنسانية في دارفور، وبدأ التحرك نحو الإقليم الجريح، وبعد أن قرعت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن الأزمة الدارفورية، أرسل الاتحاد الأفريقي في عام 2004م بعثته إلى دارفور، وبلغ عدد جنودها حوالى سبعة آلاف جندي، وتمثلت مهمتها وتفويضها في استعادة الأمن والاستقرار، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1564) والذي بموجبه دخلت قوات البعثة للإقليم.
وبعد مرور خمس سنوات على الأزمة الدارفورية، أصدر مجلس الأمن قراره رقم (1769- 31- يوليو2007)، المندرج تحت البند السابع والقاضي بإنشاء القوة المشتركة (الأفريقية الدولية) المعروفة باسم (يوناميد) والتي تتألف من حوالى (26) ألف جندي، وتعد أكبر قوة لحفظ السلام في العالم، إلى جانب أنها خطط لها أن تكون معززة بمصفحات ومروحيات، فضلًا عن طائرات قتالية، وبلغت كلفة القوات خلال السنة الأولى من وجودها أكثر من ملياري دولار.. وتسلمت بعثة (يوناميد) مقاليد الأمور من بعثة الاتحاد الأفريقي رسمياً في 31 ديسمبر 2007، ويمكن القول أن عجز بعثة الاتحاد الأفريقي وبعثة المساندة في إنجاز المهمة، عجل بتكوين البعثة المشتركة (يوناميد) في عام 2008، والتي لا تزال تقوم بمهامها في الإقليم.
تعاقب على رئاسة البعثة عدد من الرؤساء، بلغ عددهم ستة رؤساء، ولكنهم، بحسب معطيات الواقع الماثل في الإقليم، لم يفلحوا في إحداث اختراق في مهمة البعثة الأممية بدارفور.
في الثالث عشر من يناير الجاري اختار (أنطونيو غوتيريس) الأمين العام للأمم المتحدة، و(نكوسازانا دلاميني زوما) رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي الجنوب أفريقي (جيريمايا كينغسلي مامابولو)، ممثلاً خاصاً مشتركاً بالنيابة لدارفور، ورئيساً للعملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد). ويخلف مامابولو، المولود في عام 1955م النيجيري (مارتن أوهومويبهي) الذي أُنهي تفويضه الأسبوع الماضي. وطبقاً لبيان مشترك صادر عن رئاسة الأمم المتحدة في نيويورك (الخميس) الماضي، فإن رئيس البعثة الجديد يتمتع بخبرة ميدانية تؤهله للتعامل مع الوضع بدارفور، بالإضافة إلى خبرة ثرة اكتسبها خلال مسيرته في العمل الدبلوماسي.
وعمل مامابولو في يوناميد منذ عام 2016، كنائب للممثل الخاص المشترك، مشرفاً على الجوانب السياسية وحقوق الإنسان والجوانب القانونية لأنشطة البعثة، ومنذ عام 2013 حتى عام 2016 شغل منصب الممثل الدائم لجنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة، كما ترأس في الفترة ذاتها مجموعة الـ(77) دولة نامية والصين. وفي عام 2009 تم تعيينه مفوضاً سامياً لجنوب أفريقيا لدى نيجيريا، وفي فترة سابقة لذلك، سَهّل مامابولو عمليات السلام في الكونغو الديمقراطية وبوروندي، عندما كان مبعوثاً خاصاً لبلده إلى منطقة البحيرات العظمى خلال الفترة (2006 ــ 2009)، وشغل كذلك منصب نائب المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة الشؤون الخارجية خلال الفترة من (2002 ــ 2006).
وتقلد مامابولو مناصب رفيعة أخرى، منها منصب الممثل الدائم لجنوب أفريقيا لدى الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا والسودان وجيبوتي، خلال الفترة من (1999 ــ 2002)، قاد خلالها الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار بعد الحرب في سيراليون بصفته المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي إلى سيراليون وحوض نهر مانو، خلال الفترة من (2001 ــ 2002) وشغل، أيضاً، منصب المفوض السامي لجنوب أفريقيا لدى زيمبابوي خلال الفترة من (1995 ــ 1999).
يحمل مامابولو درجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا، وشهادة في الصحافة من كلية البوليتكنيك في هراري بزيمبابوي.
ومنذ أن انتقلت المهمة من الاتحاد الأفريقي إلى بعثة (اليوناميد)، تعاقب على رئاسة البعثة عدد من الرؤساء، ففي الثلاثين من يونيو 2008 تم تعيين (جبريل باسولي) وزير خارجية بوركينافاسو رئيساً جديداً لفريق الوساطة المشتركة في دارفور، وفي الثامن من يونيو 2011، تم تعيين (إبراهيم غمباري) ممثلاً خاصًا مشتركًا للبعثة ورئيسًا مؤقتًا لفريق الوساطة المشتركة، وفي الأول من أغسطس 2012 تم تعيين السيدة (عايشاتو مينداودو) رئيسة مؤقتة للوساطة المشتركة.
وفي العشرين من ديسمبر 2013 تم تعيين (محمد بن شمباس)، الغاني الجنسية، ممثلاً خاصاً مشتركاً لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (اليوناميد)، وكبير الوسطاء المشترك، وبعده تم تعيين (أبيودون أولوريمي باشوا) النيجيري الجنسية، كبير وسطاء مشترك ورئيساً للبعثة، وفي السابع والعشرين من أكتوبر 2015 تم تعيين النيجيري (مارتن أوهومويبهي) البالغ من العمر (61) عاماً وقتها، ممثلًا خاصاً مشتركاً للبعثة المختلطة في دارفور (يوناميد)، الذي أُنهي تفويضه الأسبوع الماضي، ليأتي من بعده (جيريمايا كينغسلي مامابولو) ممثلاً خاصاً مشتركاً بالنيابة لدارفور، ورئيساً للعملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد).
وتعمل البعثة من خلال تفويضها على (حماية المدنيين والإسهام في تأمين المساعدات الإنسانية ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات والتحقق من ذلك، والمساعدة في العملية السياسية الشاملة والإسهام في ترقية وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون، إلى جانب تعزيز الأمن والسلام في الإقليم ومراقبة الخروقات التي يقوم بها أطراف الصراع)، ويجدد تفويض ولايتها سنوياً. وتواجه بعثة اليوناميد الكثير من المعيقات اللوجستية والأمنية، إلى جانب أنها تواجه عجزاً في وسائل النقل الأساسية والمعدات والبنى التحتية ووسائل ومعدات الطيران، الأمر الذي أقعدها عن أداء مهمتها الأساسية.
وفيما يبدو أن الأمور داخل البعثة تسير في اتجاه بخلاف ما رسم له، بعد أن تحدث الكثيرون عن فشل البعثة وقصورها، ولكن يكفي فقط أن عدداً من مسؤولي الأمم المتحدة قالوا صراحة إن عملية دارفور معيبة للغاية، لاعتبار أن إدارة البعثة المكونة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والتي تعرف باسم (يوناميد)، قد تعثرت منذ ولادتها بواسطة مجموعة من المعيقات، ووفقاً لـ(مراجعة الاستراتيجية) التي صدرت قبل فترة بواسطة إدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فإن فعالية (يوناميد) مقيدة بشدة، بسبب القيود المفروضة على مهمتها، خصوصاً مكوناتها، والقيود على حركتها، والنقص في القدرات التشغيلية للعديد من وحدات جنودها وشرطتها.. ولكن بعد أن قامت الأمم المتحدة بتعيين الجنوب أفريقي (جيريمايا كينغسلي مامابولو) رئيساً لعبثة (اليوناميد)، فإنه سيبقى رئيساً جديداً لمهمة قديمة.. وسيظل السؤال المحوري باقياً.. هل سيفلح الرجل في إحراز اختراق حقيقي في مهمة البعثة الأممية بدارفو
اليوم التالي